من المفهوم أن تتركز معظم الطاقة الدبلوماسية الدولية المحدودة المخصصة لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن على منع الخسائر في الأرواح، سواء من إراقة الدماء أو المجاعة. لكن، الآن، بعد تمديد الهدنة التي صمدت شهرين بين الأطراف المتحاربة، يتعين اتخاذ إجراءات عاجلة لإحباط نوع مختلف من الكارثة. إنه تسرب نفطي قد يصنف كواحد من أسوأ الكوارث البيئية في العالم ويعطل طريق التجارة العالمية الحيوية. ولفتت الحرب الأهلية الانتباه لسنوات، وتشتت الانتباه الآن عن مصير ناقلة النفط العملاقة المتداعية (إف. إس. أو)، أو «صافر»، المحملة بـ 1.1 مليون برميل نفط خام، والتي كان يأكلها الصدأ في مرسى قبالة ميناء رأس عيسى في الساحل الغربي لليمن.

وبذل «الحوثيون» الذين دشنوا الحرب عام 2014، بعض الجهود غير المنتظمة لبيع النفط، لكن الحرب والعقوبات الدولية ردعت المشترين. وترك المتمردون الحوثيون الناقلة تتحلل، معتمدين على احتمال حدوث تسرب كارثي لابتزاز المجتمع الدولي للحصول على المساعدة والشروط المواتية في مفاوضات وقف إطلاق النار.

والآن وافق «الحوثيون» متأخراً على السماح بتفريغ النفط من السفينة، لكن الأمم المتحدة والجماعات البيئية مثل (جرينبيس)، تُحذر من قلة الوقت والمال، وأن الناقلة تمثل قنبلة موقوتة على وشك الانفجار في حال تسرب شحنتها في البحر الأحمر. وهذا لا يهدد فقط البلدان الساحلية الثمانية - اليمن والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل ومصر والسودان وإريتريا وجيبوتي- لكن أيضاً الشحن الدولي في أحد أكثر طرق التجارة حركة في العالم. والمخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي ليست في حاجة إلى تهويل، فما زالت الذاكرة حية بأحداث المرة السابقة التي خنقت فيها سفينة واحدة الممر المائي.

لكن الضرر الذي تسببه «صافر» قد يكون أكبر بكثير من الكلفة الاقتصادية التي فرضتها ناقلة «إيفر جيفين» في مارس 2021. وفي حال وقوع تسرب نفطي من الناقلة، ترى الأمم المتحدة أن تنظيف البحر الأحمر وحده قد يحتاج إلى 20 مليار دولار. وقد تكون الخسائر في الاقتصاد العالمي أكبر بكثير.

وبُنيت «صافر» أحادية البدن عام 1976، ويبلغ طولها 360 متراً. وكانت «صافر» تسمى سابقاً «إسو جابان»، وتم تحويلها إلى مخزن نفط عائم ومنشأة تفريغ وتم بيعها للحكومة اليمنية في عام 1988. واسم السفينة مستمد من الموقع الصحراوي لأول اكتشاف نفطي في البلاد. وآخر فحص للسفينة قبل 8 سنوات قام به مكتب الشحن الأميركي قبل الحرب الأهلية منع أي تدقيق إضافي لصلاحيتها للإبحار. وبدنها بحاجة شديدة إلى الإصلاح، ولا مبالغة في القول إن معداتها الميكانيكية والإلكترونية - بما في ذلك عتاد مكافحة الحرائق وهو من الأمور الحيوية - لم تعد صالحة للعمل. وحدوث تسرب من بدنها نتيجة تداعيه أو نتيجة انفجار يمثل أخطار واضحة وقائمة في الوقت الحاضر.

وتقدر الأمم المتحدة أن عملية طوارئ لتفريغ النفط ستكلف 80 مليون دولار. وإحلال السفينة يستلزم 64 مليون دولار إضافية في نهاية المطاف. لكن هناك اقتار في العطاء من المانحين، ولدى الأمم المتحدة نقص في تمويل عملية التفريغ بمقدار 20 مليون دولار. وتلجأ الأمم المتحدة إلى التمويل الجماعي عبر الإنترنت لسد الفجوة. قد يكون الوقت حاسماً. فمن الصعب التكهن بالوقت الذي قد تتهاوى فيه «صافر» أو تنفجر، والحفاظ على الهدنة مع «الحوثيين» لا يقل صعوبة عن هذا.

لقد استغل «الحوثيون» عمليات وقف القتال من قبل كي يجددوا فحسب إمداداتهم من الأسلحة. وعلى الرغم من تمديد الهدنة الحالية، لم يبد المتمردون اهتماماً باتفاق دائم مع الحكومة اليمنية في المنفى وتحالف الدول العربية الداعم لها. والعوامل الجيوسياسية تفاقم من حالة عدم اليقين.

فما كان للهدنة لتستمر هذه المدة الطويلة لو لم يكن الإمساك بعنان المتمردين مواتياً لإيران في وقت تتفاوض فيه من أجل إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى العالمية. لكن مع تلاشي احتمالات إحياء الاتفاق، قد يطلق النظام العنان للحوثيين مرة أخرى ضد أعدائهم المشتركين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

واستئناف الهجمات الصاروخية للحوثيين على المنشآت النفطية السعودية والإماراتية في حال وقوعه قد ينهي الهدنة وأي آمال في إنقاذ «صافر» والبحر الأحمر. لكن في ظل القيود التي تفرضها العقوبات الاقتصادية على الشحن الإيراني، فقد تنظر طهران إلى احتمال حدوث كارثة بيئية في المياه الدولية على أنها مشكلة لا تخصها. والوسيلة الوحيدة للخروج من هذا المأزق تتمثل في أن يدعم المجتمع الدولي الأمم المتحدة بالأموال والجهد الدبلوماسي اللازمين لتنفيذ عملية التفريغ الطارئة للناقلة مع الضغط على «الحوثيين» لإطالة أمد الهدنة. والاقتصاد العالمي لا يطيق الآن وقوع كارثة بيئية في أحد أهم ممرات الشحن.

* كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»