يمر العراقُ اليومَ بواحدة من أطول أزماته السياسية، فبعد مرور ثمانية أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العاشر من أكتوبر 2021 ما تزال البلاد من دون حكومة أو رئيس للجمهورية، في ظل تصاعد الخلافات والانقسامات بين القوى السياسية المسيطرة على المشهد العراقي، وصولاً إلى إعلان مقتدى الصدر انسحابَه من العملية السياسية في البلاد، وذلك بعد موافقة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي على استقالة نواب «الكتلة الصدرية» الـ73 بتاريخ 15 يونيو الجاري.

ولفهم مآلات المشهد العراقي من الضروري العودة إلى جذور الأزمة العراقية، فبعد سقوط صدام حسين عام 2003 كانت الحكومات العراقية المتتالية «حكومات ائتلافية» تستند لنظام محاصصة يتقاسمه الشيعةُ والسنّة والأكراد وتشارك فيه جميع الأحزاب السياسية.

وكانت الانتخابات المبكرة في أكتوبر 2019 من نتائج الحركة الاحتجاجية التي شهدها العراق، حيث فاز التيار الصدري بأكبر نسبة من المقاعد البرلمانية، إذ حصدت كتلة «سائرون» التابعة للتيار الصدري 73 مقعداً من أصل 329 مقعداً.

وفي المقابل خسر تحالف «الفتح»، بقيادة هادي العامري، الذي يضم أغلب التيارات السياسية والفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران، أكثر من نصف مقاعده وحصل على 17 مقعداً فقط. واستطاع ائتلاف «دولة القانون» برئاسة نوري المالكي الحصول على 30 مقعداً. أما بالنسبة لسنّة العراق فقد جاء تحالف «تقدم» بقيادة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي في المرتبة الثانية بحصوله على 32 مقعداً.

وعملت النخبُ السياسية السنّية على توحيد صفوفها مرة أخرى من خلال التحالف مع حزب «عزم» بقيادة خميس الخنجر في تحالف باسم «السيادة». كما فاز عدد كبير من المستقلين والأحزاب السياسية التي انبثقت من رحم الحركة الاحتجاجية، وأعلن مقتدى الصدر بأنه، وخلافاً للعرف السائد، سيشكل حكومةَ أغلبية؛ أي واقعياً سيتم تهميش خصومه في «الإطار التنسيقي» ممن يريدون «حكومة توافقية».

وبعد تصديق المحكمة العليا على نتائج الانتخابات لجأ قادة «الإطار التنسيقي» للتفاوض مع الصدر لدمجهم في الحكومة المقبلة، فوافق بشرط استبعاد المالكي وائتلافه «دولة القانون» من الحكومة الجديدة. وبالطبع فقد رفض «الإطار التنسيقي» شرطَ الصدر وفشلت الوساطة الإيرانية في مفاوضات تشكيل الحكومة بين الأحزاب الشيعية.

وبالمقابل، ومع بدء مفاوضات تشكيل الحكومة، أعلن الصدر تحالفَه الثلاثي مع «السيادة» السُني و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» الذي حصل على 30 مقعداً وأطلق على هذا التحالف الثلاثي «تحالف إنقاذ وطن»، فأصبح عدد نوابه في البرلمان نحو 190 نائباً. وفي البداية تم انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان للمرة الثانية في يناير 2022، لكي تلي ذلك خطوةُ انتخاب رئيس الجمهورية الذي يستوجب انتخابُه حضورَ 220 نائباً.

وهنا لجأ «الإطار التنسيقي» وحلفاؤه إلى سلاح الثلث المعطل لإفشال انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق مقاطعة الجلسة كي لا يكتمل النصاب القانوني اللازم. وهكذا فقد دفعت محصلةُ الصراع بين النخب السياسية الشيعية البلادَ إلى حالة من الجمود السياسي.

إنها أزمة معقدة يشهدها العراق وتسبب انسداداً في أفقه السياسي، مما قد يفضي لتحريك الشارع والدخول بمنزلق الاقتتال الداخلي بين القوى المتنافسة، أو تنتفض القوى السياسية عبر استحداث عملية سياسية جديدة تستند لحكومة انتقالية تعمل على تعديل بعض فقرات الدستور لإخراج العراق من دائرة العنف والفساد المستمرة.

*كاتبة إماراتية