أعلنت ألمانيا مؤخراً إطلاق المرحلة الثانية من «خطة طوارئ الغاز الأوروبية» والتي تسمى «مرحلة الإنذار» وهي ما قبل الثالثة والأخيرة، والتي تمثل ذروة الإجراءات لمواجهة نقص إمدادات الغاز من روسيا بعد حرب الأخيرة مع أوكرانيا.

وكانت المرحلة الأولى من الخطة المعتمدة من الاتحاد الأوروبي وهي مرحلة «الإنذار المبكر» تركز على مراقبة الإمدادات، بينما تسمح المرحلة الثانية «الإنذار» نظرياً للمرافق نقل الأسعار المرتفعة إلى المستهلكين والمساعدة في خفض الطلب، بينما تسمح المرحلة الثالثة وهي «الطوارئ» للحكومات بإجبار الصناعة على تقليص النشاط لتوفير الغاز.

وفي حال الإعلان عن المرحلة الثالثة والأخيرة فإن ذلك سيعني، كما صرح وزير الاقتصاد الألماني أيضاً، إغلاق قطاعات صناعية بأكملها إذا كان هناك نقص في الغاز الطبيعي على مستوى البلاد، ما قد يؤدي إلى كارثة على بعض الصناعات نتيجة تعليق جميع أنشطة المصانع، وقد يستمر هذا الوضع، حسب التصريح الألماني، وقتاً طويلاً وليس يومين أو أسبوعين، وبالتالي سيفقد العديد من الأشخاص وظائفهم وستفقد مناطق على مستوى البلاد مجمعات صناعية بأكملها.

والمعلوم أن الاقتصاد الألماني هو أكبر الاقتصادات الأوروبية بلا منازع، إذ بلغ الناتج القومي الإجمالي الألماني ما يزيد على 3.57 تريليون يورو نهاية العام 2021، وجاءت المملكة المتحدة وفرنسا في المركزين الثاني والثالث على التوالي. ولكن طبقاً للبنك المركزي الألماني، فإنه من المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد 1.9 في المائة في عام 2022 وذلك أقل من توقعاته السابقة البالغة 4.2 في المائة في ديسمبر من العام الماضي، وبالرغم من أن البنك قال إنه من المرجح أن يستمر التعافي الاقتصادي، ولكن «بوتيرة أكثر هدوءاً إلى حد كبير» مما كان متوقعاً في السابق.

ذلك هو الوضع في ألمانيا زعيمة الاقتصاد الأوروبي، وهي ما زالت تستقبل واردات الطاقة من روسيا، ولكن بكميات أقل، فماذا سيكون الوضع الاقتصادي في دول أوروبية أخرى توقف عنها إمدادات الطاقة الروسية بالكامل، والمقصود هنا بولندا، بلغاريا، هولندا، الدنمارك وفنلندا، علماً بأنه قبل الأزمة الروسية – الأوكرانية، كانت روسيا تزود أوروبا بـ 40% من احتياجاتها من الغاز، ولكن تم تخفيض تدفق تلك الصادرات عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 إلى 40% من طاقتها مؤخراً.

تلك التطورات المتسارعة أدت إلى عديد من النتائج التي سيكون لها تأثير سلبي للغاية لفترة طويلة على أوروبا بشكل خاص. ومن تلك النتائج ارتفاع أسعار الغاز بصورة كبيرة وبالتالي تضرر المواطن الأوروبي الذي من المتوقع أيضاً أن يخسر وظيفته نتيجة توقف العديد من الأنشطة الصناعية الاستراتيجية وأبرزها قطاع السيارات، أضف إلى ذلك تناقص الاحتياطات الاستراتيجية الأوروبية من الغاز نتيجة استخدام دول الاتحاد الأوروبي لتلك الاحتياطات لتعويض نقص واردات الغاز الروسي.

إضافة إلى ذلك، ستزيد العديد من الدول الأوروبية استخدامها لمحطات توليد الطاقة بالفحم لتعويض نقص الغاز الروسي، الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي كبير على المناخ. تلك التطورات ستؤدي إلى مزيد من العواقب الاقتصادية الخطيرة على دول الاتحاد الأوروبي، وهو وضع من المرجح استمراره لعدة أعوام قادمة، وبالتالي تأثيره سياسياً على النُخب الحاكمة في أوروبا وعلاقة الاتحاد الأوروبي استراتيجياً مع روسيا.

والسؤال: إلى أي مدى ستستمر معركة «تكسير العظام» بين أوروبا من جانب، وروسيا من جانب آخر، في ظل معاناة المواطن الأوروبي بشكل عام من ارتفاع أسعار الغاز ونقص إمداداته وزيادة معدلات البطالة، ومعاناة ملايين المواطنين الأوكرانيين بشكل خاص نتيجة النزوح وخسارة الوظائف!

* باحث إماراتي