البدايات تدلُّ على المسارات، ولكن بعض البدايات لا تكون كذلك. فقد يبدأ الإنسان حياته وهو لا ينبئ بشيء مهم، ثم إذا هو شديد الأهمية وعظيم الأثر. لقد كان عالم الفيزياء الأكبر ألبرت أينشتاين نموذجاً لتلك المفارقة. ففي بداياته كان أينشتاين أقل اهتماماً بالتعليم، وكان يكتب الأناشيد الدينية، ولا يبذل الجهد الكافي للتحصيل العلمي.. حتى أنّ مدرّس اللغة اليونانية في المدرسة قال عنه: «لن ينجز شيئاً في حياته»!

واصل أينشتاين رغم ذلك حتى درس الثانوية في ميونيخ، لكنه هرب من التجنيد العسكري في ألمانيا، فدخل ثانوية خاصة في سويسرا، ثم درس في معهد زيوريخ للتكنولوجيا. في عام 1902 وبينما كان في الثالثة والعشرين من عُمره كان أينشتاين نموذجاً لليأس، فقد كان بلا عمل، وبلا جنسية، وقد هجرته أم ابنه لعدم قدرته على الإنفاق عليهما.

منذ هروبه من ألمانيا إلى سويسرا كان أينشتاين بلا جنسية، حتى حصل عليها في ذلك العام 1902. كما كان بلا عمل حتى حصل على وظيفة عادية في مكتب براءات الاختراع السويسري في برن. لكن ذلك المسار البائس كان يوازيه مسار آخر يمضي بسرعة الضوء. يقول المؤرخون: في الخامسة من عمره كانت لديه بوصلة، وقد أصابته تلك الآلة بالحيرة، كيف لتلك القوى المجهولة أن تؤدي إلى انحراف الإبرة.

وفي سن الثانية عشرة قرأ كتاباً في الهندسة، وكان ذلك الكتاب هو ما صنع طريق أينشتاين، فلقد انبهر بالعلوم، وراحَ يبحث عن سلسلة علوم الناشئين وسلاسل تبسيط العلوم، ولا سيما تبسيط الفيزياء، لكي يقرأها.

في عام 1907 رأى أينشتاين من شرفة مكتبه عمال بناء يعملون على السطح المقابل. وبعد مراقبة أعمالهم توصل إلى قانون: «الأجسام خلال سقوطها تكون في حالة انعدام وزن». وحسب مؤرخي العلم الذين سجلوا تلك الواقعة الفاصلة.. فإنّ هذه الفكرة البسيطة قادته لإنجازات كبرى في علم الفيزياء. بعد (8) سنوات من تلك الفكرة كانت نظرية النسبية قد اكتملت عند أينشتاين، وفي عام 1915 قام بعرض النظرية للمرة الأولى.

وبعد (6) أعوام حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921. نقل أينشتاين الفكر الفيزيائي إلى آفاق الكون.. إلى تاريخه، ونشأته، وإلى الطاقة المظلمة التي تدفع الكون للتمدد. يقول مؤرخو برنارد شو إنه أقام حفلاً في عام 1930 على شرف ألبرت أينشتاين وكان من بين ما قال في تقديم ضيفه: «لقد بنى نابليون بونابرت وعظماء آخرون إمبراطوريات، لكن أينشتاين وأمثاله.. بنوا أكواناً كاملة من غير أن يسيلوا نقطة دم واحدة.. من إخوانهم البشر».

إن قصة الفيزيائي الأشهر ألبرت أينشتاين تعطينا عشرات الدروس، فمن الحطام النفسي والإفلاس المادي، واللاعمل واللاجنسية.. جاءت نظرية النسبية. ومن كتاب صغير في العلوم قرأه تلميذ في الصف السادس الابتدائي جاءت لاحقاً نظريات الكون، وسرعة الضوء. ومن إيمان الوالدين بابنهما جاءت العبقرية التي لم يرها أستاذه.. الذي قال إنه لن ينجز شيئاً. لم يعطنا أينشتاين الكثير من العلم.. فحسب، ولكنه أعطانا الكثير من الأمل.

* كاتب مصري