تَعوّدَ بعض مثقفينا في المنطقة على أخذ ما يُنشر في الصحافة الغربية أو يُذاع على محطات التلفزة الغربية على مبدأ القبول والتسليم من دون مقاومة أو محاججة أو حتى تحليل.

فإذا ما كتب الكاتب «جون سميث» مقالة في «التايمز» أو «الواشنطن بوست» يتناول فيها وضعاً شرق أوسطياً، فإن عشرات المثقفين من منطقتنا يتلقفون مقالته ويبدؤون في وضعها «أساساً نظرياً» لآرائهم التلفزيونية ومقالاتهم في الصحف، خصوصاً إذا ما كان «جون سميث» هذا كاتباً مشهوراً أو صحفياً بارزاً بوزن «توماس فريدمان» أو «ديفيد إيغناتيوس». والحقيقة أن كثيراً من الكتّاب الغربيين والأميركيين على وجه التحديد، ومنهم الاثنان اللذان ذكرتهما يخلطون الحابل بالنابل عند حديثهم عن قضايانا أو قضاياهم المرتبطة بقضايانا!

فبالإضافة إلى إشكالية «تركيب المفهوم الغربي على الحالة الشرق الأوسطية»، فهم يمارسون نوعاً من الاستعلاء الثقافي الذي يحجب عن عقولهم أسرار المعرفة الصحيحة بهذه المنطقة ومكوناتها. يكتب «فريدمان» على سبيل المثال وكأنه يعرف منطقتنا أكثر منا، ويبدأ في استخدام أدوات تحليل أميركية خالصة، محاولاً إلباسها عنوة على الوقائع الشرق الأوسطية.

وعندما يحتاج إلى تضمين مقالاته بحالة ثقافية معينة من الشرق الأوسط أو عندما يحتاج إلى الاستدلال بمرجعية اجتماعية شرق أوسطية معينة، فإنه يتناولها من جانبها الخطأ؛ لأنه يفهمها في الأساس من الجانب الخطأ، تماماً مثلما تفعل «أداة جوجل للترجمة» في النصوص العربية عندما تُترجم إلى لغات أخرى.

يتحدث «فريدمان» على سبيل المثال عن حرية التعبير في الشرق الأوسط، فتبدأ «آلة التحليل» في عقله بعقد المقارنات بين الحالة الغربية والحالة الشرق أوسطية باستخدام مسطرة واحدة من المتغيرات وفي ظروف تجربة واحدة، فيخرج بانطباع مشوه بسبب عدم مراعاة الفوارق الدينية والاجتماعية والثقافية بين الشرق والغرب.

ويفعل مثل ذلك عندما يتحدث عن «أدوات الحكم» في الدول العربية والإسلامية وضرورة تفعيل «الديموقراطية بوجهها الغربي» في تفاصيلها كافة، متجاهلاً، أو لأكن أكثر تلطفاً وأقول غافلاً، عن طبيعة البناءات السياسية في المنطقة وكيفية ارتباطها بمجاميع الناس عبر التاريخ.

وأما الأمر الآخر الذي يجعل من «فريدمان» وزملائه الكتّاب الغربيين بعيدين عن الوصول للتحليل السياسي الجيّد لقضايا المنطقة هو تلبّسهم ل«الحالة الرامبوية» عند الكتابة عن قضايا المنطقة، فعند تناولهم لقضية (ما) تتقاطع مع مجموعة قيّم معينة، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنهم، ولاحقاً إلى أوراقهم، هو تفوق القيم الغربية على القيم الشرق أوسطية على وجه العموم، وبالتالي ينحتون أفكارهم ورؤاهم بناءً على هذه الحالة الاستعمارية العقلية التي تحجب عن قرائهم الكثير من الحقائق.

يتعامل الكتّاب الغربيون مع مفردات منطقتنا على أنها أقل منزلة وأقل قيمة من نظائرها في الحياة الغربية، وهذا ناتج بالطبع عن «متلازمة الغالب والمغلوب» التي يعيشها العالم في القرون المتأخرة، وليس من طبيعة القيم نفسها، فالمسلمون والعرب الأوائل الذين كانوا يخضعون لأدوات حكم شبيهة بأدوات الحكم اليوم ويتعاطون القيم نفسها التي يتعاطاها متأخروهم، أناروا أوروبا بالمدنية والعلم، حينما كان العالم الغربي يغرق في «بحار القيم» التي أورثها متقدموه لمتأخريه!

* كاتب سعودي