في خطاب شامل ومؤثر وقوي ومعبر وجهه صاحب السمو الشيخ نواف الصباح إلى الشعب الكويتي وقرأه نيابةً عن سمو ولي العهد، أخطره فيه، بحل مجلس الأمة «البرلمان» حلاً دستورياً وفقاً للمادة 107 من الدستور الذي تم سَنُّهُ في أعقاب استقلال الكويت في 19 يونيو 1961.

ومن نبرة الخطاب القوية والحازمة يبدو بأن عملية الحل هذه تأتي في أعقاب ما كان واضحاً من عدم انسجام وتعاون تحت قبة قاعة عبدالله السالم في مجلس الأمة.

وبالاستماع المتعمق للخطاب الذي ألقاه الشيخ مشعل الصباح يتضح بأن الخلافات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لم تكن بسيطة أو سطحية أو عابرة، لكنها خلافات عميقة أثرت على سير العملية التشريعية في البلاد، وبالتالي على كامل العملية التنموية أو في مجملها، لأن التشريعات والقوانين المتعلقة بها متوقفة تماماً بسبب الخلافات الدائرة وعملية الإعاقة الحادثة من قبل عدد من الأطراف في داخل المجلس كما يتضح من المصطلحات والعبارات التي أتت على لسان ولي العهد وواردة في صلب الخطاب.

ونحن لن نخوض في صلب الخلافات الدائرة، لكن اهتمامنا ينصب على عملية حل مجلس الأمة ذاتها، التي هي من حق أمير البلاد ومن صلب اختصاصاته التي يوردها الدستور وفقاً للمادتين 102 و107. وفي عملية الحل الحالية استخدم الأمير حقه وفقاً للمادة 107 التي تقول: «للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى. وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل. فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد».

ووفقاً لمفردات ومصطلحات وعبارات المادة 107 هذه يتضح بأنه وإن أجاز حق حل مجلس الأمة من قبل السلطة التنفيذية ممثلة في أمير البلاد، إلا أنه أحاط استعماله بمجموعة من الضمانات التي ترد ضمن المادة 107 ذاتها وعلى النحو الذي يلي: أولاً، أن يكون الحل بمرسوم يشرح الأسباب التي تستدعي ذلك، ويكون بناء على طلب الهيئة التنفيذية تذكر فيه الأسباب الداعية لحل المجلس التي قد تتعلق بنزاعات داخل المجلس أو بالرغبة في العودة إلى الشعب لمعرفة رأيه في أمور معينة من خلال ممثليه الجدد. ثانياً، المجلس الجديد لا يجوز حله لذات الأسباب التي وردت عند حل المجلس السابق.

ثالثاً، بعد حل المجلس لا ينبغي للبلاد البقاء لفترة طويلة وليس فيها سلطة تشريعية منتخبة تسن القوانين وتراقب أعمال السلطة التنفيذية. لذلك أورد الدستور لزومية إجراء انتخابات جديدة لمجلس جديد خلال شهرين فقط من صدور مرسوم الحل. رابعاً، إذا تم حل المجلس ولم يحدد مرسومه أو مرسوم لاحق له تاريخ عقد الانتخابات الجديدة، أو لم تجر تلك الانتخابات عملياً لأي سبب كان خلال مدة الشهرين التي وردت في المادة 107، فإن المجلس المنحل يعود بحكم الدستور إلي ممارسة عمله، ويسترد سلطاته الدستورية إلى أن يتم انتخاب مجلس جديد أو إلى أن ينتهي الفصل التشريعي العادي له.

إن حل مجلس الأمة الكويتي الحالي يثير العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لذلك، فموضوع الحل هذا ليس بالأمر الهين الذي قد يتم الإقدام عليه في فراغ أو انطلاقاً من فراغ. فالخطاب الذي ألقاه ولي العهد كان يعكس عدم الرضى الذي دفع إلى مثل تلك النهاية، ذاكراً بأن الديمقراطية في البلاد قد تم استغلالها لتأجيج الخلافات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ولتحقيق المآرب والمصالح الشخصية من قبل العديد من الأفراد والتكتلات النيابية، ومعظم مشاريع القوانين التي تهم الدولة والشعب الكويتي تم تعطيلها وتجميدها، والدستور الكويتي يتم تسخيره واستخدامه كوسيلة لتعطيل مصالح الكويت وشعبها بدعاوى ممارسة الديمقراطية.

ومن الأمور اللافتة جداً أن الخطاب الأميري تحدث بقوة وصلابة عن عدم النية القاطعة للمساس بالدستور أو تغيير بعض مواده.

ويستشف من ذلك أن أطراف بعينها تسعى إلى تغيير بعض المواد الدستورية التي قد يوجد فيها مساس بأسس مصالح الدولة والمجتمع الكويتي وهذا أمر استبعده الخطاب الأميري جملة وتفصيلاً. وبقراءة الموقف السياسي الحالي في الكويت، يتضح بأن عملية حل المجلس هذه دستورية ولا غبار عليها، وهي خطوة إيجابية في صالح الكويت وشعبها كدولة ومجتمع، والأوضاع السياسية والاقتصادية كانت في تدهور بسبب عدم جدية العديد من أعضاء المجلس الاضطلاع بأدوارهم التشريعية.

* كاتب إماراتي