يجد كتّاب الغرب، ومن قبلهم السياسيون، مساحة واسعة لانتقاد عدد من المواقف العربية تجاه عدم مساندة دول الغرب سياسيا واقتصاديا في التصعيد ضد روسيا، خلال الأزمة الأوكرانية، وينظرون إلى هذا المواقف، التي رفضت إدانة الحرب في أوكرانيا أو دعت إلى السلام وإيحاد الحلول أو حتى تلك التي اختارت الصمت، بأنها دول تحابي الجانب الروسي أو تدعمه بشكل مباشر.

يبدو أن السياسيين والمحللين الغربيين ما زالوا يعيشون هوس تلك الحقبة من الاستعمار الغربي وينظرون إلى الوطن العربي، نظرة الاستعلاء القديمة، التي كان يحمل فيها جنودهم مدافع رشاشة خلال مرحلة الضعف والتشتت التي سادت في القرن التاسع عشر إلى سبعينيات القرن العشرين، ولم يلاحظ أي منهم حجم التطورات والمتغيرات في عدد من الدول العربية، والتي جعلت بعضا منها، تفرض جلوسها إلى طاولة الكبار، حين يكون مصير العالم على المحك فعلا.

الحرب الروسية الأوكرانية، لمن يتأمل آثارها القريبة والبعيدة، خاصة على المستويين السياسي والاقتصادي، فرضت على تلك العقلية الغربية المتحجرة، واقعا جديدا لم يتمكنوا بعد من استيعابه، والتي يبدو أيضا أنها تاهت معالمها بقدوم الإدارة الأميركية التي ورثت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، السياسي ورجل الأعمال المحنك، الذي فهم بكل ذكاء، المدى الذي وصلته بعض الدول العربية وخاصة الإمارات والسعودية، في حجز المقعدين الأساسيين، للتوازن والحفاظ على أمن الطاقة العالمي، وأمن الشرق الأوسط، على طاولة الكبار.

تمكن الرئيس ترامب، خلال مدة زمنية لم تتجاوز الأربع سنوات، من تهدئة المخاوف الروسية والصينية، ومحاصرة التعنت الإيراني، بدل الخضوع له، وتقريب وجهات النظر في الشرق الأوسط، والمساهمة برعاية مفاوضات السلام، وفهم ومعرفة ما تعنيه القوة الخليجية الصاعدة، القادرة على ضبط إيقاع المنطقة، وتخليصها من الإرهاب من خلال التحالف الدولي، وليس الركون إلى الناتو، ودعم تلك القوة، التي تمثلها الإمارات والسعودية، في تحقيق التوازن السياسي والاقتصادي، على أكمل وجه.

هل ما زالت الفرصة سانحة أمام الرئيس الأميركي بايدن لتصحيح النهج الذي بات يضع كل البيض في سلة واحدة؟ كيف يمكن للرئيس الأميركي بايدن أن يوقع الاتفاق النووي مع إيران ويضمن وقف تدخلاتها في الدول العربية وفي ذات الوقت يضمن موافقة «القوة الخليجية» من زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار، وأيضا يمكنه ضمان موافقة إسرائيل على حل الدولتين مقابل سلام دائم مع السعودية وباقي الدول العربية التي لم توقع سلاما بعد؟!؟ وإذا كان قادرا على فعل ذلك، وهذا أمر مشكوك فيه إلى حد ما، فهل بمقدوره أيضا إقناع «القوة الخليجية» من التراجع خطوة واحدة فقط في علاقاتها وشراكتها التاريخية والمتجذرة والمتجددة مع روسيا والصين؟ أعتقد بأن ذلك يحتاج إلى معجزة حقيقية ليست بعد بمتناول الإدارة الأميركية خلال زيارتها للمنطقة في منتصف الشهر الجاري.

على كتّاب ومحللي الغرب، أن يتخلوا فورا عن العقلية التي تروج لإمكانية إجبار القوة الخليجية على الاصطفاف إلى الجانب الغربي سواء فيما يتعلق بالنفط والغاز أو في التصعيد ضد روسيا وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة مع إيران، وأن يدركوا أن حل الأزمات العالمية المتلاحقة، بدءا من كورونا، وليس انتهاء بالتضخم العالمي الذي بدأ ينشر الفقر والجوع، سوف يكون بيد القوة الخليجية التي تغيرت وتطورت وكانت لها الكلمة الفصل، في الخطوة العالمية القادمة، التي ستغير وجه العالم.

صحيح أن الدول العربية، وخاصة الإمارات والسعودية ومصر والأردن والعراق وغيرها، تراقب عن كثب، التصعيد في موقف دول الناتو، الذي لن يؤدي سوى نحو المزيد من التصعيد واقتراب اللحظة المصيرية لحرب عالمية ثالثة، ولكنها أيضا وفي ذات الوقت، ستبذل محاولات استثنائية لكبح جماح هذا التصعيد من خلال ورقتي الطاقة والسلام، ولعل ذلك أبرز ما سيجده الرئيس الأميركي، على أجندة طاولة الكبار، وسيحتاج من طرفه، البحث عن تلك المعجزة، والتفاوض بشأنها، على أعلى المستويات، قبل أن يركب طائرته المتوجهة إلى الشرق الأوسط. اليوم، لن تنفع المجاملات، والذي سينفع حقا، هو الجدّية والإصرار والمثابرة لتحقيق السلام، ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم أجمع، فمن يدري، قد يكون لقاء الرئيس بايدن في الرياض، هو بداية حل الأزمة الأوكرانية، إن كان العالم يسعى لذلك حقا.

* لواء ركن طيار متقاعد