يزداد التحذير من «إعصار الجوع»، إذ تتجمّع عناصره يوماً بعد يوم، ورغم عشرات المبادرات والمؤتمرات الدولية، لم تتبلور استجابةُ معالجةٍ مسبقة ناجعة. وتفيد آخر الأرقام المقلقة التي عممتها الأممُ المتحدة أن ملياراً وستمئة مليون شخص في أربع وتسعين بلداً معرّضون بشدّة لبُعد واحد على الأقل من أبعاد الأزمة.

أما «مؤشّر الأمن الغذائي» العالمي فيشير إلى أن ملايين الأشخاص في أربعة وثلاثين دولةً باتوا «على شفا المجاعة»، بالإضافة إلى نصف مليون شخص في اليمن والصومال وجنوب السودان يعيشون فعلياً في حال مجاعة. وتكاد التقديرات تتفق على أن أزمة نقص الغذاء ستصبح أكثر حضوراً وتأثيراً بدءاً من الخريف المقبل، أي بعد أسابيع معدودة، وأنها قد تتحوّل سريعاً إلى «كارثة غذائية عالمية» خلال السنة المقبلة 2023.

ما يفترض أن العالم دخل سباقاً مع الزمن لتفادي أزمة غير مسبوقة قد تكون الأسوأ، لكنه لا يبدو كذلك. قرر زعماء الدول السبع، عندما التقوا أخيراً في ألمانيا، مضاعفةَ المساعدات لأوكرانيا، واتفقوا على وضع «خطة مارشال» لإعادة إعمارها، بعد انتهاء الحرب، ويُفترض أن تكلّف مئات المليارات لسنوات عديدة مقبلة. لكنهم خصصوا فقط خمسةَ مليارات دولار كمساعدة لدعم الأمن الغذائي، في حين أن برنامج الأغذية العالمي يحتاج إلى 22.2 مليار دولار لينفّذ المهمات المتزايدة المطلوبة منه، ولذا فقد أعلن اضطراره لتقليص حصص الغذاء المخصصة للاجئين إلى النصف، بسبب النقص الفادح في التمويل.

وفي المرحلة المقبلة لن يكون فقط مسؤولا عن أحوال المئة مليون لاجئ حول العالَم، بل أنه مدعو إلى إبعاد شبح الجوع عن شعوب كاملة في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. عندما تنبّه تقارير الخبراء إلى أن نقص الغذاء ممر تلقائي إلى الأزمات الصحية، فإنها تسمّي هذه الحالة «جائحةَ الفقراء»، وبالتالي فإنها لا تحفّز الدولَ الكبرى الغنيةَ كي تهرع إلى التمويل، كما فعلت إزاء جائحة «كوفيد-19». غير أن الأمر هذه المرّة لا يتعلّق بالمال فحسب، بل بإمدادات المواد الغذائية، كما أصبح معروفاً.

ومع أن ارتفاع الأسعار صار ظاهرة عالمية، فإن وقعه يتفاوت من بلد إلى آخر، وهناك مجتمعات تتحمله بصعوبة وأخرى يعني بالنسبة إليها بدايةَ تدهور نظامها الغذائي. كلّ دولة وجدت نفسها أمام تحدّي تأمين شعبها أولاً، تداركاً لأي تداعيات اجتماعية واقتصادية وصحية وأمنيّة.

ولذلك بدا شائعاً أن تحافظ كل دولة كبرى على مخزونها من الطاقة والحبوب والزيوت. وكانت ظاهرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد بدأت قبل حرب أوكرانيا، وعُزيت إلى مؤثّرات تغير المناخ على الزراعة، ثم إلى تأثير موجات الإغلاق الطويلة خلال الجائحة التي، رغم كل شيء، تسببت بوفيات كبيرة وليس بمجاعات.

لم تمضِ سوى شهور قليلة على بداية التعافي الاقتصادي من الجائحة، ولم تفصل سوى خمسة شهور بين مؤتمر المناخ في غلاسكو (أكتوبر 2021) والآمال الضئيلة التي بعثها وبين بداية العملية العسكرية الروسية (أواخر فبراير 2022)، إلا أن العوامل الثلاثة عادت فتفاعلت لتهدّد بـ«إعصار الجوع».

يوجّه اللوم إلى الإنسان وسوء تعامله مع الطبيعة، سواء بالنسبة للاحتباس الحراري أو للأوبئة القاتلة، لكنه يتحمّل أيضاً وبشكل مباشر مسؤوليةَ زعزعة استقرار الإنتاج الزراعي وإمكان توريده. هناك شعوب فقيرة حياتها مهدّدة، وهناك ملايين الأطنان من الحبوب عالقة في أوكرانيا أو غيرها بفعل حرب لا تبدو نهايتها قريبة. لعل أهم دروس هذه الحرب أن النووي سلاح فتّاك لا يمكن استخدامه، أما القمح فليس سلاحاً، لكن مجرد حجبه يجعله أكثر فتكاً.

*كاتب ومحلل سياسي -لندن