يترقب العالم هذا الأسبوع، لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، مع قادة الدول الخليجية وكذلك كل من قادة مصر والأردن والعراق، وفي ظاهر الأجندة الأميركية المعلنة هو إيجاد أرضية مشتركة حول مدى المشاركة الأميركية في أبرز التحديات التي تواجه إقليم الشرق الأوسط، كبرنامج إيران النووي والجماعات الإرهابية والأوضاع في سوريا وليبيا وأزمة الغذاء العالمي، أما الأساس، فهو «جس نبض» دول المنطقة خاصة الخليجية حول إعادة التموضع الأميركي في الشرق الأوسط لمواجهة دول «المحور» الجديدة، إذا جاز التعبير، وتحديداً لضبط أسعار النفط، ومنعها من الإرتفاع بشكل مضاعف.

يحاول الأميركيون، بكل ما لديهم من أدوات، عرقلة زيارة الرئيس بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط بوضع العصي في الدواليب باسم الديمقراطيات وحقوق الإنسان المزعومة، ويحاول الرئيس بايدن طمانة الأميركان داخلياً، في مقال له نشرته صحيفة «واشنطن بوست» مطلع الأسبوع الحالي، خاطب فيهم مشاعر القلق حول ما يسمى «القيَم الأميركيّة الأساسيّة»، لأنهم لم يتمكنوا بعد من فهم «القيم الخليجية الأساسية» التي قامت على العدل والانصاف في معظم دول الخليج، قد تفوقت على النظريات والقوالب الفكرية التي ادّعت حقوق الإنسان، بينما كانت النتائج كارثية لكافة تطبيقاتها.

لا أظن أن الأميركيين يفهمون حجم التحدي الذي يواجه أميركا في الفترة الحالية، والذين يفهمون حقاً ويدركون مدى التوغل الروسي والصيني وتنامي القوى المختلفة شرقاً وفي الخليج العربي لا يريدون الاعتراف بأن ذلك سيعيد تشكيل النظام العالمي ويحدد مساراً جديداً للتاريخ، وهو مسار قسري لا رجوع عنه، كما تروي الوقائع والأحداث الحالية، وإذا كان أمام الرئيس الأميركي ما يسمى بـ «الفرصة الأخيرة»، لإنقاذ ما يمكن انقاذه، فسيكون مضطراً، هذه المرة، لاغضاب هؤلاء الذين يعلمون ولا يعترفون، ويقرر عرض حجم إعادة التموضع الأمىركي في الشرق الأوسط، بطريقة جاذبة مقنعة.

الخليجيون، لم يكونوا جاهزين لدرجة تفوق التوقعات، في كل تاريخ العلاقات الخليجية الأميركية، كما هم في هذا اللقاء، فعلى أجندتهم تبدو كل الحسابات جلية وفي غاية الوضوح، يعلمون الحاجة الأميركية والغربية لإمدادات الطاقة وضبط أسعارها، ويعلمون عن الفشل الأميركي في المفاوضات مع إيران، وكيف تمكنوا منذ بدأ التجاهل الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط في يناير 2021، من تطوير وتعزيز العلاقات والشراكات الاستراتيجية مع الصين وروسيا، التي أصبحت راسخة ومتينة، ويصعب تفكيكها، ولكنها أيضا علاقات ذكية براغماتية، يمكنها ارتداء ثياب الحيادية في لحظة، دون ان تبدل لونها أو تتراجع عن قيمها الأساسية. كما يفكر الأميركان، لا يمكنك أن تأخذ دون أن تعطي، فماذا لدى الرئيس الأميركي ليقدمه حتى يأخذ ما يريد، أو بعضاً مما يريد؟

فإذا كان سيقدم حلف «ناتو» شرق أوسطي، على طبق من ذهب، فعليه أن يضمن بأي وسيلة وقف التدخل الإيراني في الدول العربية، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إلى جانب وقف مشروع إيران النووي، واقناع العالم، قبل الأميركيين، أنه قادر على ذلك، وكذلك عليه أن يقدم إسرائيل، وهي موافقة بما لا يقبل التراجع، على حل الدولتين، وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، دون مماطلة أو تسويف، وإلا فإن زيارة الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستكون مجرد مجاملات، لن تغني ولا تسمن من جوع.

ما حدث ويحدث في سيريلانكا والأرجنتين، قد يطال أميركا وأوروبا ودول أخرى في العالم، وسيجبر الذين يحاولون عرقلة الجهود والاستراتيجيات الخليجية الرامية لتقليص المخاطر وتخفيف الأضرار، على العالم، إلى التفكير مرة أخرى، بأن تكلفة إعادة التموضع، ليست رخيصة، بل وكما ستحتاج الرؤية الثاقبة والأمل في المستقبل وبناء الشراكات والتحالفات القوية، ستحتاج أيضاً العزم والإصرار والثبات، وتقديم بعض التنازلات، والتي ستجعل الأطراف جميعاً، في حالة من الرضى والقناعة والقبول.

بالنسبة لنا، في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد عملت القيادة الرشيدة الحكيمة، سنوات طويلة، من خلال العمل السياسي والدبلوماسي المرن، على فتح كافة القنوات والمسارات، وتمهيد الطريق، وتهيئة دول العالم الشقيقة والصديقة والشريكة والحليفة، على الخيار الإماراتي الإستراتيجي، الداعي إلى الأمن والسلام، وكلنا ثقة، بأنه الخيار الأفضل والأكثر نضوجاً لدول وشعوب الشرق الأوسط والعالم أجمع.

* لواء ركن طيار متقاعد