يعد تلسكوب جيمس ويب الفضائي انتصاراً؛ فهو أقوى تلسكوب فضائي تم بناؤه على الإطلاق، وهو قادر على رصد الأحداث الفلكية التي حدثت في بداية الزمن، وسيغير إن لم يُحدث ثورة في فهم البشرية لأكثر الأسئلة الأساسية حول الوجود: كيف أصبح الكون على ما هو عليه؟ هل عالمنا هو العالم الوحيد بالحياة؟ وهل هناك أي مكان قريب قد نتمكن من الهروب إليه؟ ربما يجب أن يكون هذا كافياً.

ولكن بعد ظهر يوم الثلاثاء الماضي، شاهدت إحاطة إعلامية حول فريق التلسكوب تم خلالها التركيز على الصور والبيانات المبكرة للجهاز.

كان حماسهم معدياً. استغرق صنع تلسكوب ويب عقوداً، إذ عانى هذا المشروع من تأخيرات عديدة وتجاوزات في التكاليف. ولكن منذ إطلاقه في يوم عيد الميلاد، تجاوز تقريبا كل توقعات ناسا منه. هذه الصور الأولى هي أكثر بكثير من مجرد انتصار للعِلم.

يبدو نجاح تلسكوب ويب بمثابة شهادة على أفضل ما لدينا - المثابرة والبراعة والصرامة والانفتاح والتعاون بين المؤسسات العالمية والالتزام بالتميز والاستكشاف والطموح الحالم. كما يعد التلسكوب أحد تلك المعالم التي يجب أن تعزز تقديرك لما يمكن أن يفعله جنسنا البشري. إنه انتصار متواضع للروح البشرية.

قال إريك سميث، العالم الرئيسي في مشروع تلسكوب ويب: «يرى الكثير من الناس أحيانا صورا للفضاء، وهذا يجعلهم يشعرون بأنهم صغار. لكنني عندما أرى هذه الصور، فإنها تجعلني أشعر بالقوة. فهي تثير الفخر بالإنسانية – إذ إننا عندما نريد القيام بشيء، فإننا نفعل ذلك». وقالت جين ريجبي، العالمة في قسم العمليات في المشروع، إنها عندما أدركت أن التلسكوب كان يفوق المواصفات في وقت سابق من هذا العام، صاحت فرحا.

وأكدت أن أداءه هو مثال على «تمكن الناس في عالم محطم من فعل شيء صحيح لرؤية بعض العظمة الموجودة هناك». سامحوني إذا بدوت ساذجا بعض الشيء، إنني أدرك أن وكالة ناسا كانت منذ فترة طويلة تجيد التسويق لإنجازاتها، وإن طرح الصور الأولى التي التقطها تلسكوب جيمس ويب هذا الأسبوع حمل بصمات العلاقات العامة لإطلاق شركة آبل.

لكن الدليل على براعة عمل التلسكوب يكمن في صوره. لقد أنتج بالفعل صوراً مذهلة للكون مثل أي صور رأيناها من قبل - هناك مع لقطة تلسكوب هابل التي لا تُنسى لسديم النسر، المعروف باسم «أعمدة الخلق» (سديم النسر هو مجموعة من النجوم الشابة المفتوحة في كوكبة سيربينس، التي اكتشفها جان فيليب دي تشيزو في 1745-1746)، أو اللقطات القريبة لجيراننا من الكواكب، التي تم التقاطها بوساطة بعثات فوييجر.

انظر إلى صورته لعنقود المجرات المعروف باسم SMACS 0723 (مجموعة مجرات في المنطقة الجنوبية من كوكبة السمكة الطائرة) في رقعة من السماء تبدو مظلمة بحجم «حبة رمل ممسوكة على مسافة ذراع»، كما جاء في بيان ناسا الإخباري، إذ يكشف تلسكوب ويب عن أن السماء تفيض بالمجرات، بعضها ظهر عندما كان عمر الكون أقل من مليار سنة.

الصورة مفصلة بشكل لا يصدق لدرجة أنه من الممكن رؤية انحناء المجرات وثناياها - وهو تأثير ناتج عن مجال جاذبية المجرات الذي يشوه الضوء، والذي حدده ألبرت أينشتاين لأول مرة. في صورة أخرى، صورة سديم كارينا (سحابة كونية عظيمة الاتساع تحوط عدة تجمعات نجمية مفتوحة ويرمز لها طبقا للفهرس العام الجديد ب NGC 3372)، على بعد حوالي 8000 سنة ضوئية، يمكن لتلسكوب ويب أن يرى من خلال الغبار الكوني لإظهار النجوم الفردية أثناء ولادتها - وهي عملية أساسية للكون لا يعرف العلماء عنها سوى القليل جدا. كل ذلك، ولا يزال على مشغلي تلسكوب ويب دفع التلسكوب إلى أي مكان قريب من حدوده. يقول سميث: «إننا نجري اكتشافات، ولم نبدأ في المحاولة بعد».

أحد الأسباب التي تجعل علماء الفلك متحمسين للغاية بشأن التلسكوب الجديد هو أنه تم تصميمه للنظر إلى السماء بطريقة جديدة. تنظر العديد من التلسكوبات إلى الكون في المقام الأول بنفس الطريقة المحدودة التي تنظر بها أعيننا - فهي تلتقط فقط الطيف المرئي من الضوء.

ولكن نظراً لأن الكون يتوسع، فإن الأجسام الأبعد عن الأرض تبتعد عنا بأعلى سرعات - مما يتسبب في «إزاحة الضوء» من تلك الأجسام إلى ما وراء الطيف المرئي إلى طيف الأشعة تحت الحمراء. تلسكوب هابل الفضائي، الذي أُطلق في عام 1990، قادر أيضاً على جمع ضوء الأشعة تحت الحمراء، لكنه بطيء جداً في القيام بذلك. تطلبت صور «هابل» لأبعد الأجسام في الكون من التلسكوب قضاء أسابيع في النظر إلى نفس البقعة من السماء.

نظراً لأن أجهزة التصوير الرئيسية للتلسكوب الجديد مصممة للأشعة تحت الحمراء، فيمكنها في غضون ساعات التقاط ما يمكن لهابل التقاطه في غضون أسابيع. تم تصميم تلسكوب «ويب» لحمل ما يكفي من الوقود لإنجاز مهمة تستغرق 10 سنوات، لكن وكالة «ناسا» ذكرت أن إطلاقه ونشره بامتياز قد ترك دافعاً كافيا لمضاعفة وقته التشغيلي.

لقد تفوق أيضاً على كل مواصفات التصميم الأخرى تقريباً - فقد تبين أن بصرياته أكثر وضوحاً، ونظام التوجيه الخاص به أكثر دقة، والمرايا أكثر نقاء، وأدواته أكثر حساسية. كل هذا سيتيح له النظر إلى الفضاء بشكل «أعمق وأسرع» مما صُمم من أجله. ما الذي يمكن أن يكتشفه «ويب» في العقود القادمة؟

من بين أسئلة أخرى، ستسلط الضوء على متى وكيف ولماذا بدأت النجوم والمجرات والعناصر الثقيلة وأنظمة الكواكب وغيرها من الأشياء التي نحتاجها حقا في التكون في الكون. ومن المتوقع أيضاً أن يغير فهمنا للكواكب الخارجية، وهي كواكب خارج نظامنا الشمسي. من خلال تحليل الضوء الذي يمر عبر هذه العوالم البعيدة، سيتمكن العلماء من دراسة أشياء مثل التركيب الكيميائي للغلاف الجوي للكواكب الخارجية والطقس والأنماط الموسمية، وربما حتى العثور على اللبنات الأساسية للحياة في مكان آخر.

فرهاد مانجو*

*كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»