ما يعرفه الرئيس الأميركي جو بايدن، وقبل أن تطأ قدماه أرض الشرق الأوسط لأول مرة منذ تولى الرئاسة الأميركية، في يناير 2021، أن دولة الإمارات العربية المتحدة بإمكانها أن تكون لاعباً وحيداً متفرداً، بقدراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، لكن رؤيتها الاستراتيجية، هي بناء وتوسيع الشراكات الإقليمية والدولية المتينة، لما قد يحقق المصالح العليا لدولة الإمارات، ويحقق السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط، وفي العالم أجمع.

وكما ذكرنا الأسبوع الماضي، كانت الإدارة الأميركية تراهن مبكراً على أوراق تتيح لها دخول الشرق الأوسط من جديد، مثل فرضية بناء محور موجه ضد إيران فحسب، سواء أكان مجرد نظرية سياسية تبنتها الإدارة الأميركية لتمرير المرحلة أو واقع سياسي فُرض على الساحة الدولية بسبب ما أفضت إليه أزمة الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار النفط ونقص الغذاء والتضخم العالمي، وحاجة الولايات المتحدة الماسة إلى زيادة إنتاج النفط، ولكن دولة الإمارات العربية المتحدة، وبدبلوماسيتها المعهودة، أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك، أن بناء المحاور الأحادية، الموجهة لدولة واحدة فقط، يتعارض مع سياستها الاستراتيجية بعيدة المدى، الداعية بشكل أساسي إلى نزع التوتر وإنهاء الخلافات في الشرق الأوسط وليس إلى التمحور لتصعيدها.

لا شك أن السياسيين الأميركيين المخضرمين، قد أوضحوا للرئيس الأميركي قبيل زيارته للشرق الأوسط، أن استخدام الورقة الإيرانية قد لا يجدي نفعاً مع شريك استراتيجي قوي مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث قطعت الإمارات شوطاً كبيراً في إعادة بناء وهيكلة الشرق الأوسط الآمن المستقر، ليس فقط بمحاربة الإرهاب والتطرف والتخلص من الجماعات الإرهابية وتجفيف مصادر تمويلها وليس أيضاً بتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل في العام 2020 فحسب، بل بالعمل الجاد لاقتراب تركيا وحل جميع الخلافات التي كانت قائمة، وكذلك تشجيع ودعم الحضور السياسي اللافت، والمشاركة السياسية والاقتصادية لكل من مصر والعراق والأردن، وإبقاء كافة القنوات السياسية والدبلوماسية مع إيران مفتوحة.

لا يمكننا القول، بناء على ذلك، إن أجندة الرئيس الأميركي قد تبدلت لحظة وصوله المنطقة. ففي زيارته أهداف عدة أخرى منها تصحيح العلاقات مع الشقيقة المملكة العربية السعودية، الشريكة الحليفة لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن يمكن القول إن الإدارة الأميركية أدركت أن الخيار الإستراتيجي الإماراتي يتمثل في استكمال مسيرة السلام في الشرق الأوسط، وهذا لن يسمح بالدخول في محاور تصعيدية بلا جدوى.

قد بدا هذا واضحاً حين التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الرئيس الأميركي جوزيف بايدن في الاجتماع الثنائي الذي عقد في جدة بالمملكة العربية السعودية، مطلع هذا الأسبوع، خلال القمة المشتركة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأميركية والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية وجمهورية العراق، فأشار الرئيس بايدن إلى التعاون الوثيق المستمر منذ عقود في المهمة الإماراتية الأميركية المشتركة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وتأكيده أن دولة الإمارات هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي نشرت قواتها العسكرية إلى جانب الجيش الأميركي في كل تحالف أمني دولي شاركت فيه الولايات المتحدة منذ عاصفة الصحراء في 1990-1991، ودعا إلى ضرورة تعميق التعاون الأمني المكثف، الذي جعل كلا البلدين أكثر أماناً وإسهاماً في السلام والاستقرار الإقليميين.

بناء شرق أوسط آمن ومستقر، حسب رؤية الإمارات الثابتة والراسخة، يجب أن لا يتأثر بالتحديات السياسية القائمة حالياً، على افتراض أنها جميعاً قابلة لإيجاد الحلول السياسية والدبلوماسية، ولا يتأثر أيضاً بارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية، أو المشكلات الأخرى التي تحدق بالمنطقة أو العالم، فالمستقبل، كما تراه قيادة دولة الإمارات وتؤمن به، هو منظومة من الأمن والاستقرار التي تنشدها شعوب المنطقة، سعياً لتحقيق النمو والتطور والرفاهية، وليس ساحة حرب تسيل فيها الدماء بلا ثمن.

نجاح المساعي السياسية والدبلوماسية الإماراتية التي برزت نتائجها في الاجتماع الثنائي بين الإمارات والولايات المتحدة، جعل الرئيس الأميركي يؤكد على الدور المحوري لدولة الإمارات كونها شريكاً استراتيجياً وطرفاً أساسياً في الشراكة الأمنية بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن.

لم يعد خافياً على أحد، الثبات والإصرار الإماراتي على المضي في طريق إنهاء الصراعات والنزاعات كافة في الشرق الأوسط، وتهدئة التوترات بكافة السبل السياسية والدبلوماسية، وإيجاد الحلول التي لا تُفضي إلى التصعيد وإشعال الحروب، سواء بين دول المنطقة، أو عبر الشراكة الأميركية الاستراتيجية، وكذلك عبر الشركاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي، والذي أوضحته زيارة صاحب السمو رئيس الدولة، إلى الجمهورية الفرنسية، عقب قمة جدة للأمن والتنمية مباشرة.

* لواء ركن طيار متقاعد