في جميع أنحاء أوروبا الغربية، كانت هناك مؤشرات على ما حذرت السلطات الفرنسية من أنه قد يكون «كارثة شديدة الحرارة».

ووسط اندلاع حرائق الغابات، تم إجلاء أكثر من 15 ألف شخص من منازلهم في فرنسا، وفقا لوزارة الداخلية الفرنسية. وفي بريطانيا، انصهرت مدارج المطارات وتباطأت القطارات بسبب مخاوف من التواء القضبان. وأشار خبراء الأرصاد الجوية إلى أن يوم الثلاثاء (19 يوليو) ربما كان أكثر الأيام حرارة على الإطلاق في بعض أنحاء الجزر البريطانية.

وارتفعت درجات الحرارة إلى (46 مئوية) في مناطق شبه جزيرة أيبيريا، مما أدى إلى اندلاع عشرات من حرائق الغابات. وفي الأيام القليلة الماضية، لقي على الأرجح أكثر من ألف شخص حتفهم نتيجة درجات الحرارة في إسبانيا والبرتغال. وتعاني المستشفيات من ضغوط تحت هذا العبء الإضافي لأنها تتعامل أيضا مع الارتفاع المتجدد في حالات الإصابة بفيروس كورونا. ويحذر علماء الهيدرولوجيا من الآثار العميقة للجفاف المنتشر على نطاق واسع وتقلص منسوب المياه الجوفية وتلف المحاصيل. وربط السياسيون من يسار الوسط الحرارة الشديدة بتغير المناخ.

وأعلن رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا أن بلاده «لا وقت لديها تضيعه» وحث على الاستثمار بشكل أسرع في طاقة الموارد المتجددة. ويوم الاثنين (18 يوليو)، قام رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بجولة في منطقة إكستريمادورا التي دمرتها حرائق الغابات والجفاف. وأكد قائلا «من الواضح أن تغير المناخ يقتل. يقتل الناس ويقتل نظامنا البيئي والتنوع البيولوجي». ونقل تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» عن نيكوس كريستيديس، عالِم المناخ في مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة قوله إن «احتمال تكرار ارتفاع درجة الحرارة إلى 40 درجة مئوية في المملكة المتحدة قد يكون أكبر بعشرة أمثال في المناخ الحالي من المناخ الطبيعي غير الخاضع للتأثير البشري.

واحتمال تجاوز 40 درجة مئوية في أي مكان في المملكة المتحدة في سنة معينة يتزايد بسرعة، حتى مع التعهدات الحالية بخفض الانبعاثات، يمكن أن تحدث مثل هذه الحالات المتطرفة كل 15 عاما في مناخ عام 2100». لكن حتى مع إدراك العلماء وصانعي السياسات الأوروبيين للحاجة إلى التكيف في مواجهة الخطر الذي يلوح في الأفق، تدفع الضغوط الملحة الحكومات في الاتجاه المعاكس.

فقد أدت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إلى ارتفاع كبير في كلفة الكهرباء في جميع أنحاء القارة الأوروبية. وأدى ارتفاع درجات الحرارة الشديد إلى ظهور طلب جديد على الغاز. وأشارت شركة إيناغاس الإسبانية للمرافق في بيان في وقت سابق من يوليو الجاري إلى أن «هذه الزيادة الهائلة في الطلب على الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء ترجع أساسا إلى درجات الحرارة المرتفعة المسجلة نتيجة لموجة الحر». وتلوح في الأفق أسئلة حول إمدادات الغاز في أوروبا حيث تحاول البلدان جاهدة ملء الخزانات قبل الشتاء.

وبعد الحرب، سيسعى القادة الأوروبيون نحو مستقبل للطاقة لا يعتمد على روسيا - لكنهم قد يواجهون عجزا كبيرا على المدى القريب. وأدى احتمال تقلص إمدادات الغاز الروسي إلى تحرك أوروبا بالفعل نحو اتجاهات إشكالية. واتخذ وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، أحد أكثر السياسيين الخضر نفوذا في أوروبا، إجراءات تتعارض بشكل مباشر مع التزامات الحد من الانبعاثات التي تعهدت بها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وهو ليس الوحيد تقريبا.

وكتبت الصحفية الألمانية «كونستانز ستيلزنمولر» في فاينانشيال تايمز تقول إن «خيارات ألمانيا قليلة وغير كاملة وغير سارة.

«هابيك» يعيد محطات الفحم القذرة للعمل مرة أخرى، ويطلب من الناس الاستحمام لفترة أقصر. ويعمل على تبسيط المشتريات وتخفيف القيود البيئية لبناء محطات ثابتة للغاز الطبيعي المسال، وفي الوقت نفسه، يقوم بتأجير محطات عائمة. وخاطب قادة الخليج من أجل البحث عن إمدادات غاز طبيعي مسال بديلة».

يمكن القول إن أوروبا تقود العالم في انتقاله إلى الطاقة المتجددة. لكن معظم بلدان الاتحاد الأوروبي ما زالت تعتمد على الغاز الطبيعي للمساعدة في تقدم اقتصاداتها. وجاء في تقرير لبلومبيرج نيوز أن «الحرب في أوكرانيا سلطت الضوء على درجة اعتماد طموحات المناخ الأوروبية على الغاز الذي تضخه روسيا لإبقاء الأنوار مضاءة والمصانع تعمل بينما تنتظر عائد مئات المليارات من اليورو في الاستثمارات المعتزمة في مصادر الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وتكنولوجيات خفض الانبعاثات من الصناعات الثقيلة».

والآن، يتوقع المحللون ارتفاعاً كبيراً في الانبعاثات بالمستقبل القريب. وكثفت دول أوروبية كثيرة استخدام الفحم، لكنها شجعت أيضاً الاستثمارات الجديدة في عمليات طويلة الأمد لاستخراج الوقود الأحفوري وتخزينه. وعبر بيل هير من شركة «كلايمت أناليتيكس» لاستشارات المناخ في برلين، في مقابلة مع «نيويورك تايمز»، عن خشيته من أن يقضي هذا المسعى على ما توصلت إليه المعاهدة الدولية التاريخية لعام 2015 بشأن تغير المناخ.

وعلى الجانب الآخر، يرى خبراء أيضاً أن الحكومات الأوروبية تضاعف استثماراتها في مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك التوسعات الرئيسية في الطاقة الشمسية للاتحاد الأوروبي.

ويشير تحليل لمركز «إمبر» البحثي ومركز الأبحاث والهواء النظيف إلى أن الاتجاهات الحالية قد تشهد توليد 63% من كهرباء الاتحاد الأوروبي من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، ارتفاعا من نسبة 55% المتوقعة في إطار السياسات التي اُقترحت في أواخر عام 2019. كاتب متخصص في الشؤون الخارجية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»