كان الأسبوع الماضي مليئاً بالأحداث والفعاليات المهمة في المنطقة، ومن أهمها زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية خلال قمة «جدة للأمن والتنمية» بحضور دول الخليج ومصر والعراق والأردن. وشهد الأسبوع الماضي كذلك قيام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالزيارة الأولى له خارجياً منذ توليه الرئاسة إلى فرنسا، وكلا الحدثين في توقيت في غاية الأهمية بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية.

من أهم مخرجات قمة جدة التأكيد على الحيادية المصلحية، وهي توازن العلاقات الدولية بناءً على المصالح لا على القيم المفروضة. فالسعودية وضحت أنها بقدر اعتزازها بالعلاقات الثمانينية مع الشريك الأميركي، إلا أنها لا تحصر شراكاتها معه، فهي تبحث عن أفضل من يلبي حاجاتها الأمنية والتنموية أينما وجدت ولو مع حليف في المعسكر الآخر الشرقي، عندما يتعذر الحصول على تلك الاحتياجات عند الشريك في المعسكر الغربي الأميركي أو الأوروبي.

وهنا تأتي أهمية التعامل على أساس مصالح الدولة وليس بناء على جهة مهيمنة وهذا حق سيادي. وكذلك عندما تطرق الرئيس الأميركي للقيم المشتركة، كان جواب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قوياً وصريحاً: «من المهم معرفة أن لكل دولة قيماً مختلفة ويجب احترامها ولو افترضنا أن الولايات المتحدة الأميركية لن تتعامل إلا مع الدول التي تشاركها القيم والمبادئ 100% فلن يبقى للولايات المتحدة من دول تتعامل معها سوى الناتو».

إن أهمية هذا الجواب تكمن برفض هيمنة القيم، فلا يمكن فرض قيم ومبادئ أي دولة على الأخرى بالقوة لأن ذلك له نتائج عكسية. أما الأهمية الأخرى أنه في وقت الأزمات والصراعات – مثل تداعيات الأزمة الأوكرانية من تضخم وارتفاع أسعار النفط – تتقدم المصالح على القيم، لذلك من الأفضل أن يكون تعامل الدول مبنياً على المصالح وكل دولة تكون مسؤولة عن قيمها واختيار ما يناسبها.

بعد يومين فقط من انعقاد قمة جدة، جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لفرنسا وكونها كانت المحطة الخارجية الأولى لسموه بعد توليه رئاسة الإمارات، يدل على أنها أهم حليف أوروبي غربي للإمارات.

وقد تم في هذه الزيارة التوقيع على اتفاقيات في عدة مجالات دفاعية أمنية واقتصادية وفي مجال الطاقة، إلا من أهم مجالات التعاون بين البلدين هو المجال الثقافي، فالإمارات قدمت تمويلاً لترميم مسرح نابليون الثالث ومن ثم تمت إعادة تسمية المسرح ليحمل اسم المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وكذلك التعاون الفني والسينمائي، المخرج الفرنسي بيير موريل هو الذي أخرج الفيلم الإماراتي الحربي الوطني «الكمين» وهو أكبر إنتاج عربي. فهنا الإمارات قامت بتعاون ثقافي بانتقائية بما يتناسب مع بيئتها ويعزز من قيمها بطريقة حضارية.

من خلال هاتين الزيارتين نجد أن الحيادية المصلحية هي من أفضل النماذج السياسية للحفاظ على توازن العلاقات الدولية التي من شأنها أن تعزز الثقة والتعاون المشترك.

*باحثة سعودية في الإعلام السياسي.