ليست الأزمة الروسية – الأوكرانية هي التي تواجه القارة الأوروبية بشكل عام والاتحاد الأوروبي بشكل خاص. فالأزمة الموازية أصبحت أعلى خطورة وأشد تأثيراً، ومن المرجح أن تكون أطول زمناً من الأزمة الروسية - الأوكرانية بذاتها. الأزمة الموازية هي أزمة الطاقة التي تواجهها الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، نتيجة اعتمادها الكبير على الغاز الروسي والذي تستمر موسكو في ضخه بالرغم من شدة وتوالي العقوبات الغربية الاقتصادية عليها. ولكن ما حدث مؤخراً من توقف خط أنابيب (نورد ستريم 1 ) بسبب أعمال الصيانة الروسية وتخوف الدول الأوروبية من تناقص إمدادات الغاز الروسي، أو توقفه بالكامل، أدى إلى دعوة الاتحاد الأوربي لأعضائه بتقليص استخدام الغاز بشكل عام بنسبة 15% إلى شهر مارس القادم وذلك كإجراء احترازي وطارئ.
وبالتالي فإن الوضع يشير إلى استمرار تلك الأزمة الموازية حتى في حال نجاح أي مفاوضات دبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا قد تؤدي إلى وقف الأعمال العسكرية بين الطرفين، الأمر الذي سيلقي بظلاله على اقتصادات وشعوب دول الاتحاد الأوربي. ولقد أشرنا سابقا إلى إطلاق ألمانيا المرحلة الثانية من «خطة طوارئ الغاز الأوروبية» والتي تٌسمى «مرحلة الإنذار»، وهي ما قبل الثالثة والأخيرة والتي تٌمثل ذروة الإجراءات لمواجهة نقص إمدادات الغاز من روسيا بعد حرب الأخيرة مع أوكرانيا. وفي حال بلغت الأوضاع الإعلان عن المرحلة الثالثة وهي «الطوارئ»، فإن ذلك سيعني إغلاق قطاعات صناعية بأكملها، وفقدان العديد من الأشخاص وظائفهم، ناهيك عن ارتفاع أسعار الطاقة بشكل عام بصورة كبيرة وتناقص الاحتياطات الاستراتيجية الأوربية من الغاز نتيجة استخدام دول الاتحاد الأوربي لتلك الاحتياطات لتعويض نقص واردات الغاز الروسي. وقد أشارت التقارير بالفعل إلى ارتفاع في أسعار الطاقة بمعدل سنوي يقارب 42% في يونيو، مقارنة بـ 39% في مايو.
ولقد بدأت بالفعل آثار تلك الأزمة الموازية إذ أكدت الإحصائيات الصادرة عن وكالة الإحصاء الأوروبية (يوروستات) أن تضخم أسعار المستهلكين قد ارتفع من 8.1% في مايو، ليصل في شهر يونيو الماضي إلى رقم قياسي وهو 8.6%، وهو أعلى مستوى منذ أن بدأت تلك الوكالة عملها عام 1997 أي قبل عامين من إطلاق عملة اليورو. أضف إلى ذلك الضغوط المتزايدة على البنك المركزي الأوروبي الذي يخطط هذا الشهر للإعلان عن الارتفاع الأول في أسعار الفائدة خلال 11 عام. والأمر الذي يُعزز التوقعات باستمرار تلك الأزمة الموازية هو التصريحات الرسمية الروسية الأخيرة باحتمال توسع العملية العسكرية لمناطق في جنوب أوكرانيا حيث تتركز حاليا في الشرق، مما قد يؤدي، حسب تصريحات موسكو، إلى تغيير كبير في جغرافية أوكرانيا على الخريطة الأوروبية. أضف إلى ذلك بدء الهيمنة الروسية على الصادرات الزراعية الأوكرانية لدول العالم.
الأزمة الموازية في أوروبا تؤكد أن الأوضاع لن تكون كما كانت عليه قبل شهر فبراير الماضي عندما نشبت الأزمة الروسية – الأوكرانية، بل ستؤدي تلك الأزمة إلى نتائج على مختلف المستويات لن تقف بالضرورة عند الخسائر العسكرية، بل ستتجاوزها إلى خسائر على مستوى الاقتصاد والتجارة الخارجية وسوق الطاقة والعمل في أوروبا والعلاقات الاستراتيجية الروسية – الأوروبية، مما قد تتغير بموجبه القارة الأوروبية بالكامل.
باحث إماراتي