سؤال بديهي يطرح نفسَه حسب مقتضيات المرحلة في منطقتنا العربية والخليجية على وجه الخصوص: هل نحتاج إلى تجديد الخطاب الديني بخطاب معاصر يواكب الزمن الذي نعيشه، أم نحتاج إلى تنقيح الموروث الديني برمته ونزع ما علق بالدين من شوائب لا ترتبط بالتنزيل القرآني والشريعة الإسلامية، أم كلاهما معاً؟! يرى جمهور كبير من العلماء والفقهاء بأن الفتوى متغيرة بحسب مقتضياتٍ شتى، منها متغيرات الزمان ومنها متغيرات المكان.

فالزمان الذي عاش فيه السلف زمان مختلف عن الزمان الذي تعيشه الأمةُ اليوم، والتجديد ضرورةٌ يحتِّمها الواقع الذي يفرض حياةً مختلفة في زمن مختلف، وباب الاجتهاد مفتوح لفهم الشريعة الإسلامية، وبالتالي فإن تكييف الفتاوى وفقَ هذا الواقع أمر أقرّه نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم منذ 1400 عام لمن هم أهلٌ للفتوى من علماء وفقهاء العصر الضالعين في الشريعة والراسخين في العلم والفقه والحديث والثابتين على الحق والاعتدال وملامسة حاجيات مجتمعاتهم للسعي إلى تغيير الخطاب الديني وتنقيح تراثهم من عوالق التشدد والتطرف.

وتتبنى دولةُ الإمارات العربية المتحدة اليومَ خطابَ التسامح والتعايش بين الأديان من خلال خطوات جادة، وقد قدّمت للعالَم نموذجاً ملهماً للتسامح والتعايش والأخوَّة الإنسانية، حيث أخذت على عاتقها خلال السنوات الماضية قيادةَ الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز التقارب بين الثقافات والأديان والحضارات، وبناء الجسور المشتركة فيما بينها، وجاءت الدعوة في 15 ديسمبر 2018 من المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، حين أعلن عام 2019 في دولة الإمارات عاماً للتسامح، إبرازاً للدولة كعاصمة عالمية للتسامح، وتأكيداً لمبدأ الأخوّة باعتباره امتداداً لنهج المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ليصبح هذا النهج عملاً مؤسسياً مستداماً يهدف إلى تعميق قيم التسامح والحوار وتقبّل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة.

وقد تم خلال هذا العام التوقيع على أهم وثيقة من نوعها، ألا وهي «وثيقة الأخوّة الإنسانية» بين البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية والشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر. وقبل ذلك كانت الإمارات قد اتخذت خطوات كبرى نحو مكافحة التمييز والكراهية، خاصة بصدور القانون الاتحادي لعام 2015 الذي يكفل الحماية للجميع، مواطنين ومقيمين، ويمثل بيئة مثالية للتعايش والتآخي.

وتحتضن الإمارات أكثر من 200 جنسية وتضم أكثر من 40 كنيسة ومعبداً سيخياً وعدة معابد هندوسية.. لذا لا غرابة إن أصبحت هدفاً لقوى عدائية تتخذ الافتراءات منهجاً لتضليل الناس وخدمة أهداف مسمومة من جانب أعداء الاعتدال الذين يوجهون سهام حملاتهم المحرضة ضد حقوق الأقليات الدينية في دولة تحرص على صونها ومراعاة حقوقها الدينية وحرمات شعائرها وطقوسها، عبر أحاديث وتفسيرات مكذوبة وآراء فقهية وفتاوى صدرت في سياقات زمنية ومكانية مختلفة جذرياً عن واقعنا اليوم.

وتروّج لتلك الفتاوى وتخدمها فئاتٌ مؤدلجةٌ بمسوغات متطرفة وأهداف معادية لما قطعته الإمارات من شوط طويل في ترسيخ قيم التآخي وأجواء الانسجام بين الأديان، لاسيما أنها بلد مطبوع على الوئام والتعايش والاستقرار والتعامل الحضاري بين مكونا البشر تحت سقفه. وأخيراً، فإن مقتضيات المرحلة تدعو لتنقيح شوائب التراث وتجديد الخطاب بين أطياف المجتمعات، أي التطبيق الحقيقي والفعلي لمبادئ الأخوّة الإنسانية والمشتركات الدينية من خلال التعايش وقبول الآخر، وهذا ما نشاهد اليومَ نموذجَه الأرقى في دولة الإمارات.

*كاتبة سعودية