أعلن التونسيون قبل ثلاثة أيام عن رغبتهم في التغيير السياسي. حزموا أمرهم واختاروا الانحياز نحو التجديد والتطوير، أملاً في الخروج من الأزمة السياسية الدائرة منذ عام 2011 والأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي لم تغب عن الواقع الاجتماعي التونسي منذ الاستقلال وحتى اليوم.

يوم الاثنين الماضي اختار أكثر من 94.6% من الشعب التونسي القبول بمشروع «الدستور الجديد» فيما رفضه 5.4%. بمعنى أن نسبة كبيرة جداً من المشاركين قرروا وهم بكامل أهليتهم الانتخابية أن يسيروا خلف رئيسهم «قيس سعيد» لأنهم ربما رأوا فيه خلاصاً لهم من الانسداد السياسي الذي أغلق أفق العملية السياسية التونسية منذ رحيل الرئيس السابق «زين العابدين بن علي».

المعارضون للرئيس سعيد يقولون إن الاستفتاء على مشروع الدستور باطل لأن نسبة المشاركين فيه لا تتجاوز 28% من كامل الجسم الانتخابي التونسي، ويسمونه «استفتاء الأقلية» ليخرجوه من دائرة الشرعية التي تستلزم «مباركة الأغلبية» كما هو معمول به في أية ديمقراطية عالمية.

والحقيقة أن أصواتهم التلفزيونية العالية لا تستند لأية معايير انتخابية أو إعلامية، لعدة أسباب منها: أولاً.. نسبة الـ 72% الذين لهم الحق في المشاركة في التصويت على الدستور ولم يشاركوا ليسوا بالضرورة رافضين لمشروع الدستور وإنما هم «أغلبية صامتة» قد تتفق مع مسودة مشروع الدستور وقد لا تتفق.

ثانياً.. النسبة المرتفعة جداً للمصوتين بكلمة «نعم» للدستور الجديد تدل على أن «العينة العشوائية» من الشعب التي اختارت التصويت تميل إلى التغيير السياسي وتؤمن بقدرة «الرئيس سعيد» على الخروج بالبلاد من الوضع الذي وجدت نفسها عالقة به بعد هجوم أصحاب المصالح على مقاعد القيادة في الحكومة أو مجلس النواب التونسي خلال السنوات العشر الماضية. علم الإحصاء يقول إن «العينة العشوائية» تُعبر عن المجموع الكلي في ظروف معينة، وأظن أن العينة العشوائية التونسية التي ذهبت للتصويت، ضخمة بما يكفي للتعبير عن حال التونسيين بشكل عام.

ثالثاً.. النسبة المرتفعة للمصوتين بنعم لمشروع الدستور الجديد تشير إلى أنه في حال كانت نسبة المشاركة في التصويت أكبر مما كانت، فإن «كلمة نعم» ستفوز بأغلبية مركبة أو أغلبية بسيطة (+50%) في أسوأ الأحوال فيما لو افترضنا جدلاً أن الأغلبية الصامتة ستصوت بلا أكثر من التصويت بنعم.

رابعاً.. في كل الديموقراطيات العربية (مع تحفظي الكبير على هذا النوع من الديموقراطيات) ومنذ سنوات الاستقلال الأولى، يذهب الخاسرون دائماً في الانتخابات أو الرافضون لنتائج الاستفتاءات إلى التشكيك وعدم التسليم بالنتائج النهائية. لم نر خاسراً عربياً واحداً طوال عقود يسلّم بخسارته ويهنئ الفائز، هي ثقافة يصعب الانفكاك منها.

خامساً.. كل الرافضين لنتائج الاستفتاء هم في الأساس يتبعون لجماعات كانت «تتمصلح» على حساب السيادة التونسية في السنوات الماضية، وبالتالي فمعارضتهم لنتائج الاستفتاء إنما هي في الحقيقة انحياز لمصالحهم الخاصة ومصالح من يتبعونهم داخل الحدود التونسية وخارجها. الدولة التونسية بحاجة لرجل يكرس الاستقرار السياسي والاقتصادي ويبني البلاد بعيداً عن منازعات أصحاب الأهواء، وأظن أن الدستور الجديد سيساعد قيس سعيد في المضي قدماً في مشروعه التنموي والسياسي الذي سيعود بالخير على التونسيين بعد حين.

*كاتب سعودي