إنَّ أيَّ مجتمع يريد أن يكون له موقع في قيادة الإنسانية، وله تأثير في الحضارة البشرية، أول ما يجب أن يكون متمتعًا به هو الصَّلابة في العلاقات بين أفراده ومجموعاته البشرية، فقوة علاقاته بين أفراده هي الشرط الأول لانطلاقه إلى الإسهام الإنساني والبناء الحضاري.

وإنَّ أيَّ مجتمع مهما كان قوياً إذا بدأت علاقاته الاجتماعية بالارتخاء والفتور، فقد بدأ في طور الأفول والانحلال ثم الاضمحلال، هكذا دوّن التاريخ هذه السنة الكونية التي لا تُحابي أحداً ولا تُجامل قوماً أو شيئاً.

وإنَّ هذا المعنى الرَّاسخ في الفكر الإنساني والتاريخ البشري قد كان في بصر القائد الفذ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وبصيرته واضحاً كل الوضوح وهو يريد بناء وطن يجدد فيه قيم الحضارة العربية في بُعدٍ إنساني عالمي جديد، ويجعل من هذا الوطن طليعةً مؤثرة في مستقبل البشرية الذي يتغير باستمرار، وتتحلل فيه مجتمعات كانت بالأمس إمبراطوريات قوية ولها مستعمرات واسعة، وهذا التحلل لم يأت من نقص في العقول أو قلة في الإمكانات المادية، أو انحسار في المخترعات والابتكارات، وكل هذا موجود، ولكن التحلل والتفسخ في تلك الإمبراطوريات هو نتيجة تمزُّق العلاقات الاجتماعية والروابط الإنسانية بين أفراده.

إنَّ المجتمع ليس تكدس أفراد أو كثرة سكان، بل هو الرِّباط الجامع والإطار القوي الذي يشدُّ الناس إلى بعضهم في المجتمع فيشعرون كأنَّهم جسم واحد يسعى إلى هدف مشترك وغاية نبيلة، وبذلك يكون المجتمع متحركاً، والموطن سائراً إلى الأمام فهو يرعى أفراده، وكل فرد منهم يرعى مجتمعه، وعندئذ يدخل حلبة التاريخ والإنتاج الحضاري.

إنَّ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله ومنذ عقود من السنين قد ألقى بثقله الفكري وجهود المتابعة الحثيثة؛ ليكون هذا الوطن أنموذج المستقبل البشري بقوة تلاحمه ومتانة علاقاته الداخلية بين أبنائه، وبدأ يحقق ما كان يصبو إليه القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه، فكانت قراراته حفظه الله حاسمة ونتائجها باهرة ناجحة، فقد قرَّر أنه لا مكان للأمية في هذا الوطن، وهذا يساوي مجتمعًا متعلماً وهو الأساس الذي ينهض بالأمم ويرفع شأن الأوطان، وقرَّر أن لا مكان للمرض في هذا الوطن، وهذا يعني أنه مجتمع سليم وليس مثقلا بالعِلل والعاهات، وقرَّر حفظه الله أن لا مكان للفقر والعوز والحاجة في هذا الوطن، وهذا يساوي مجتمع الكفاية والعيش الكريم.

وكانت أعماله الرَّائدة حفظه الله في هذه الأسس الثلاثة التي تتنافس فيها المجتمعات والأوطان مثال النجاح؛ لأنه كان يأخذ الأمور بمنهجية علمية ونظرة واقعية ترى المستقبل كأنه حاضر، وغدا مجتمع الإمارات العربية المتحدة يسبق الدول العظمى في هذه الميادين وغيرها، وتأتي الأحداث العالمية لتؤكد سداد أعمال القائد الفذ الشيخ محمد بن زايد، ورشاد فكره الثَّاقب. وإنَّ هناك أمراً أعمق من ذلك، وله الأثر الاجتماعي الحاسم، ألا وهو جوهر المجتمع ومضمونه العميق، ألا وهو القيم النفيسة والروحية، وتبدأ بالعلاقة مع الله ثم تنبثق منها العلاقة التي تربط أبناء المجتمع ببعضهم، وإنَّ هذه القيم النفسية والروحية قد أعطاها القائد الفذ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله العناية الكبيرة والاهتمام الواسع، وعلى هذه القيم النفسية والروحية والاجتماعية تُبنى الهوية الاجتماعية والوطنية التي تجعل كل واحد من أبناء الوطن عنواناً لهذه الهوية، فهو يستمد منها مشاعره وقوته المعنوية، وهي تظهر فيه قولاً وعملاً وسلوكاً. وإنَّ الذي بلور الهوية الوطنية وحدَّد لها مرتكزاتها الاجتماعية التي تضرب في تاريخ الوطن وتمتد جذورها في ثقافته وعاداته وآماله وطموحاته هو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله.

وإنَّ التمسك بالهوية الوطنية والقيم الروحية والاجتماعية هي التي تجعل المجتمع والوطن منسجماً، وهذا الانسجام والتوافق النفسي والسلوكي هو الذي يحفز المجتمع كله للإبداع والحضور الإنساني، وهو الذي يولد ثقافة اجتماعية مشتركة، وهي إطار يجعل الأفراد بداخليه في تناغم وتكامل واتِّساق واتِّفاق.

وإذا ضعُف الانسجام الاجتماعي فقد بدأت الهوية تفقد أهميتها وتأثيرها على الأفراد والمجتمع شيئا فشيئاً وهذا لا يعود بالخير على الوطن، ومن هنا يأتي تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله على التمسك الشديد بالثوابت الوطنية والهوية الاجتماعية، إدراكاً منه لأهمية ذلك، وهذا هو صمَّام الأمان لاستمرار الوطن وامتداده المستقبلي واستقراره الذي يواجه به التقلبات والأخطار والمفاجآت التي تواجه البشرية، إنه الضمان الأكيد لتجاوز الأخطار المستقبلية... إنَّ قوة المجتمع في علاقاته الداخلية هي التي تتيح لأفراده على اختلاف تخصصاتهم، وتعدد أعمالهم أن يظهروا مواهبهم كاملة غير منقوصة؛ لأن شعور الفرد أنه يخدم وطنه، وأنَّ وطنه يقابله بالإحسان إحسانا، يفجر بداخله طاقات من العطاء والذكاء لا تتأتي لمن يعمل فريداً ولا يشعر به أحد، وقد كان من فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله أن يلتقي كل صاحب إبداع يعود على الوطن بالفائدة والخير ويشجعه ويسهل له الطريق ويبعث فيه الحماس، وهذا الذي جعل في أبناء هذا الوطن وبناته جيلاً متفانياً لخدمة وطنه مخلصاً لقائده الذي رأوا فيه الأب الحنون، والنصير الوفي لمستقبلهم ومستقبل الوطن.

إنَّ ترسيخ العلاقات الاجتماعية وتمتينها في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله وقوله وعمله لا يكاد يخلو منه لقاء مع أبنائه المواطنين وبناته المواطنات وخاصة الشباب، ولقد كان حفظه الله على الدوام يؤكد لهم أن هذا الوطن له انطلاقته المتميزة نحو المستقبل وهم عماد المسؤولية بعد أن تحقق لهم ما يريدون من الحياة الكريمة، وهم أهل لهذه المسؤولية، ويؤكد لهم حفظه الله أن ثقته بهم كبيرة، وإنه حفظه الله عندما يبعث فيهم الشعور بالمسؤولية والإحساس بنبل الغايات والأهداف التي يطمح لها القائد لهذا الوطن، إنه بذلك يريد أن يجعل منهم حركة دائبةً وعطاءً مستمراً وتكاملاً في غاية الدقة والنظام، ويريد أن يجعل هذا الوطن حصناً متيناً أمام العِلل والأمراض الاجتماعية التي تنخُر المجتمعات من حولنا.

إنَّ التشريعات التي يرعاها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله والأعمال التي يتبناها بدءاً من قوة الأسرة وتحصينها من العبث والضياع، ومرورا بكبار السن والطبقات محدودة الدخل في المجتمع، والأخذ بيد الشباب الموهوبين منهم خاصة، والعناية المتميزة بالطفولة تجعل من فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد فكر الإنسانية القادمة، وتجعل من هذا الوطن بفكره السامي ورؤيته الثاقبة موطناً للسعادة والإبداع والتفوق، وغير خاف اليوم وقد انتقل التنافس البشري من الأرض إلى السماء أنَّ المجتمعات الأقوى والأفضل هي التي تملك الأفكار السديدة البنَّاءة، والأعمال الرشيدة الصالحة التي تخدم الوطن وتنتشر في أنحاء الإنسانية كلها.

وإنَّنا في العهد المحمَّدي الزَّاهر (عهد الشيخ محمد بن زايد حفظه الله) نصبح كل صباحٍ على عملٍ جليلٍ يسديه، وفعلً صالحٍ رشيدٍ يقدِّمه لوطنه وشعبه ويبديه، إنَّه يُؤسس لحضارة جديدة بفكر جديد، ولمستقبلٍ لهذا الوطن مزهر فريد. حفظ الله تاج هذا الوطن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة، وحفظ الله هذا الوطن وجعله موئلاً للأمن والأمان والازدهار.

*المستشار الدكتور/ فاروق محمود حمادة.