عشرات الحكايات التي عايشتها شخصياً في موضوع الاندماج عند الجاليات العربية المسلمة في أوروبا، ومئات القصص التي يعيشها الجميع في أوروبا عموماً، وهي قصص وحكايات تؤكد بلا شك أن المشكلة دوماً تكمن في انغلاق العقلية العربية «الإسلاموية» أمام «الآخر» ووجود الإيمان حد اليقين الراسخ عند كثير من المسلمين بأن البشرية مقسومة إلى قسمين، مسلمين اصطفاهم الله عن باقي البشر، وباقي البشر!

في غالبية دول الغرب الأوروبي، هناك تشريعات وقوانين لقبول الهجرة من المهاجرين أياً كانت خلفياتهم العرقية أو الدينية، ومن أول تلك المتطلبات القانونية الالتحاق ببرامج الاندماج الاجتماعي في الوطن الجديد، وهي برامج مجانية تنفق عليها تلك الدول ويدعمها الاتحاد الأوروبي كذلك، وتتلخص عموماً بمحاضرات دورية يراعى فيها وقت الوافد الجديد، بل ويتم تقديمها حسب لغة هذا المهاجر الجديد، ويتم فيها شرح كامل الحقوق التي عليه والواجبات المنوطة به مع توضيح للبيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذا الوطن الجديد، المشكلة في تلك الدول أن غالبية الوافدين من الدول العربية من المسلمين لا يندمجون، وسرعان ما يبحثون عن تجمعات سكنية متلاصقة تشكل أحياء خاصة بهم، يتكاثرون بها وبعد سنوات (مثل السنوات التي نعيشها الآن) يبدأون بمحاولات فرض قوانينهم «الشرعية» في بلاد قبلتهم بلا شروط مسبقة.

إن مشكلة الاندماج في أوروبا ليست مشكلة مهاجرين غرقوا بفكرة «المقدسات» وحسب، بل هي أيضاً مسؤولية الدول التي «قدست» القانون أكثر من اللازم فصارت الورقة أو الوثيقة أهم من الفكرة أو القيمة.

المعادلة لا تستقيم من دون توازن طرفيها، فالعربي بحكم ثقافة سيئة شكّلت لديه عقدة الاستعلاء الديني الواهمة في داخله هو عادة منغلق على نفسه وللإنصاف فهذا يقابله مزاج أوروبي صعب يقيده الحذر في تقبله للقادمين الجدد إليه، مزاج تحكمه الشكوك، وإرث طويل من رواسب عقد التفوق التي كنا نعتقد أنها بدأت تنحسر وأنها وجودها سيبقى محصوراً في جيوب يمينية محدودة، لكن اليمين الأوروبي الشوفيني والإقصائي أيضاً بدأ يكبر وينمو ويتسع، وصار حضوره لافتاً، بل شرعياً عبر أحزاب تمثله وتنجح في صناديق الانتخابات، ولعل ما شهدناه من مشاهد سقوط أخلاقي وقيمي على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ومع استقبال اللاجئين من أوكرانيا يعطي ملامح مفزعة لبدايات سقوط منظومة القيم الإنسانية، التي بنتها أوروبا بمشقة بعد حربين عالميتين كانت كلفتهما ضخمة على كل شعوب أوروبا.

اليمين الأوروبي ليس دينياً بمجمله، ولا يستند على فكرة المقدس الديني لإقصاء الآخر، ومكمن خطورته أنه شوفيني قومي متعصب، وينمو ويتغذى على كراهية هي ذاتها وقود الطرف الآخر القادم من كهوف ومجاهيل الشرق، المثقل بكل موروثه الديني المتراكم والمشتبك بالعادات والتقاليد المتوارثة، معتقداً حد اليقين أنه خليفة الله في الأرض، ويُقسِّم الكوكب إلى دار كفر ودار إيمان، ومهمته – كما يؤمن إيماناً راسخاً- أن يجعل الكرة الأرضية بمجملها سجادة صلاة مضبوطة تماماً على قياس معتقداته.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا.