يجسّد الارتفاع المتسارع في معدلات استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بطرق تحمل تأثيراً مباشراً على كافة مجالات حياتنا اليومية، أمراً استثنائياً بكل معنى الكلمة وينطوي على الكثير من الجوانب الإيجابية. وتتسابق العديد من الدول لتحقيق هذه المكاسب المحتملة بهدف تعزيز صحة شعوبها والارتقاء بمختلف قطاعاتها. إلا أن مسألة الإلمام بأساسيات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تعتبر بمثابة عقبة رئيسية تعترض طريق هذه الدول لتحقيق هذه المكاسب.

وفي ضوء إطلاق استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي في عام 2017، تقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية فهم هذه التكنولوجيا سريعة التطور.

ويقدر المحللون في شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» أنه في حين ستحظى منطقة الشرق الأوسط بنسبة 2% تقريباً من الفوائد العالمية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، ستكون دولة الإمارات صاحبة الحصة الأكبر من هذا التأثير، مع مساهمة التكنولوجيا بنسبة 13.6% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي (96 مليار دولار) بحلول عام 2030.
ومن المهم للغاية فهم مسألة أن الذكاء الاصطناعي هو مجرد تقنية – أداة يمكن للبشر إتقانها واستخدامها، كما أن معظم التطبيقات التي نستخدمها اليوم تعتمد في المقام الأول على الذكاء البشري الذي صممها وطورها. وبالنظر إلى أن الذكاء الاصطناعي يؤدي بالفعل وظيفة حيوية، فإن إمكانات هذه التكنولوجيا تبشر بالمستقبل الموعود، وليست مجرد سلعة للتداول. 
تتمحور الأفكار الترويجية الحالية للذكاء الاصطناعي حول إمكانية توظيف هذه التكنولوجيا ضمن مجموعة مختلفة من القطاعات للمساعدة في تعزيز مستويات السرعة والوضوح، بالإضافة إلى توفير معلومات مباشرة وبأفضل شكل ممكن. ويمكن أن يستخدم الذكاء الاصطناعي البيانات لإنشاء الأنماط أو دفع عجلة تطوير الأدوية بأسلوب قادر على تحديد أعراض المرض قبل البشر بكثير.

وبالنظر إلى جميع هذه الأسباب، يمكن لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أن تلعب دوراً حيوياً. وعلى سبيل المثال، تعتبر قدرتها على تحديد الأنماط أمراً مذهلاً، تماماً كما هو الحال مع قدرتها على فرز كميات هائلة من البيانات في غضون دقائق معدودة. وبات من الممكن اليوم إنجاز أشياء قد تتطلب من الإنسان سنوات عديدة في غضون دقائق معدودة فقط بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي.

ولهذا السبب، أطلقنا مؤخراً برنامجاً تنفيذياً في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي. ويعتبر هذا البرنامج بمثابة دورة تدريبية متكاملة تمتد على مدى 12 أسبوعاً ومصممة لمساعدة قادة القطاعين العام والخاص على تكوين فهم أفضل لأبعاد الذكاء الاصطناعي المرتبطة بالأعمال والأخلاقيات وصنع السياسات.
ويساعد هذا البرنامج القادة في تحديد الفرص المتاحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في قطاعاتهم، كما يمنحهم رؤية أشمل للمواضيع التي يمكن لتطبيق الذكاء الاصطناعي فيها أن يساعد في التغلب على التحديات التي يواجهونها.

تحقيق الأولويات الوطنية
يجسّد استخدام الذكاء الاصطناعي خياراً مثالياً لدعم الجهود الرامية لتحقيق الأولويات الوطنية لدولة الإمارات، والتي تشمل ضمان أفضل استخدام لأحدث حلول تكنولوجيا المعلومات. وعلى سبيل المثال، سيمكن الذكاء الاصطناعي دولة الإمارات من إنشاء نظام رعاية صحية قائم على الأنماط والعلوم الطبية وعلم الوراثة والعوامل المتعلقة بالبيئة وأنماط الحياة الخاصة بالمرضى لتوفير خدمات رعاية مخصصة. 

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، ففي ضوء ما نشهده اليوم من انتشار واسع لقدرات الاتصال والأجهزة الذكية مثل الساعات الذكية والأجهزة القابلة للارتداء، يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة الأفراد على اتخاذ خيارات أفضل في حياتهم وتعزيز مستويات الرعاية المقدمة لهم من خلال توفير كمية كبيرة من البيانات المفيدة. وغالباً ما تكون هذه البيانات مفيدة فقط إذا كان من الممكن تحليلها بسرعة ودقة للتأثير في القرارات المتعلقة بالعلاج – وهو شيء يمكن للذكاء الاصطناعي القيام به بكل سهولة.
ويمكن لهذه الإمكانات أن تحدث فارقاً كبيراً على مستوى الصحة العامة، كما أنها تتمتع بمساحة هائلة للتطور من خلال استخدام التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي. ويمكن تسهيل عملية اتخاذ القرارات الحرجة، مثل تحديد وقت تشغيل وإيقاف إحدى الخدمات والحالات التي يجب خلالها فرض ارتداء قناع الوجه وإجراء فحوصات كوفيد-19 على سبيل المثال، وذلك عند استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم الاقتراحات المثلى والمساعدة في اتخاذ قرارات مدروسة قبل أي إجراء.
ومن بين الأمثلة الرائعة الأخرى على كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي من أجل تحقيق المنافع للبشرية يبرز برنامج الجينوم الإماراتي. ويسخر هذا البرنامج تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة لتحليل الجينوم وإنشاء جينوم مرجعي للإماراتيين من أجل تحديد المسببات الجينية للأمراض والتنبؤ بمدى قابلية المرضى للإصابة بها.
وينطوي الذكاء الاصطناعي أيضاً على استخدامات واعدة في قطاع الطاقة. فقد ساعدت التطورات التكنولوجية المستمرة على تحديد الموارد الجديدة للنفط والغاز بشكل أسرع من أي وقت مضى. كما أصبحت أنشطة التنقيب كالمسوحات الزلزالية مدفوعة بالبيانات التي يمكن تحليلها بسرعة واتخاذ الإجراءات على أساسها، وتحسين عملية الاكتشاف والحد من أنشطة التنقيب وجعلها محصورة بدورة الإنتاج. 

وعلاوة على ذلك، هنالك عدد لا يحصى من المجالات البارزة الأخرى التي تأثرت بالذكاء الاصطناعي مثل أنظمة التنقل الذاتي الناشئة والمدن الذكية وأنظمة التعليم التي تتمحور حول الطلاب، على سبيل المثال لا الحصر.
ودون أدنى شك، يعتبر الذكاء الاصطناعي مجالاً تقنياً، لكن البرنامج التنفيذي الجديد الذي تقدمه جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يتضمن مشاركة معلومات متعمقة حول الإمكانات التي تتمتع بها تقنيات الذكاء الاصطناعي والفوائد المجزية التي يمكن أن تقدمها للدولة. ويتمحور البرنامج حول تطوير مجموعة من العلاقات التي يمكن أن تساعد في إيجاد الحلول المناسبة للتحديات. ويوفر البرنامج منصة تجمع بين أبرز خبراء الذكاء الاصطناعي في العالم وكبار المدراء التنفيذيين للمساعدة في إيجاد الحلول المثلى لمختلف أنواع القضايا التي تواجه الوزارات والوكالات والقطاع الخاص.
وتشتمل قائمة الخبراء هذه على هيئة تدريس تضم نخبة من أبرز علماء الذكاء الاصطناعي في العالم وقد تم تشكيلها خصيصاً لهذا البرنامج، وتمثل امتداداً لهيئة التدريس العالمية المستوى في الجامعة. وأردنا أن نمنح المشاركين في البرنامج التنفيذي إمكانية الوصول إلى مجتمع حصري يضم كبار القادة وأبرز خبراء الذكاء الاصطناعي في المنطقة وخارجها.

باعتبار أن خريجينا يعملون في مجموعة متنوعة من المجالات والوظائف المختلفة، فمن الضروري بناء علاقات شخصية ومهنية مستمرة يمكنهم الاعتماد عليها عند الحاجة للاستماع إلى رأي إضافي، من أجل تحقيق أفضل الإنجازات. ومن خلال العمل على العديد من المشاريع، ندرك أنه نادراً ما يمكن لشخص واحد أن يقدم الحلول بمفرده، فنحن نحقق أكبر النجاحات عندما نتعاون على إيجاد الحلول لمختلف التحديات الفردية والمشتركة.
وخلال مساقات البرنامج التنفيذي، يختار المشاركون أحد التحديات التي تواجهها الدولة ويعملون على تطوير مشاريع واقعية لإيجاد حلول لها باستخدام الذكاء الاصطناعي. ومن خلال هذا البرنامج، تساهم جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في زيادة الوعي حول الذكاء الاصطناعي ومعالجة أبرز التحديات، بما يتماشى مع استراتيجية دولة الإمارات وأهدافها على المدى الطويل.
وعندما يحظى صنّاع القرار بالتدريب المناسب، يمكنهم المضي قدماً في تطبيق التقنيات المخصصة لقطاعاتهم، بالتعاون مع مستشارين خبراء من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة. وتتمتع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بجميع الإمكانات المطلوبة للمساعدة في التعامل مع التحديات المعقدة التي قد تعترض طريق القادة وتحويلها إلى موضوعات لأنشطة البحث والتطوير.

وفي النهاية، ينبغي على قادة الأعمال المحليين الآن أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانوا يتطلعون لمواكبة هذه النقلة النوعية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي والمشاركة فيها أم عدم اللحاق بركب التطور المتسارع.
نائب رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي للشؤون العامة وعلاقات الخريجين