في حال أوكرانيا كان الأفضل استمرار التفاوض والتوصّل إلى حلول جزئية متدرّجة من شأنها أن تكتمل في اتفاق نهائي شامل، وأياً تكن المرحلة أو الظروف التي ستعيد الأطراف (روسيا، الولايات المتحدة، حلف شمال الأطلسي، الاتحاد الأوروبي...) إلى التفاوض فإن الحرب لن تتوقف إلا بهذه الطريقة حتى لو قيّض لها أن تدوم لشهور وسنوات.

أما في حال تايوان فلا تزال فرص الدبلوماسية قائمة ومتاحة وممكنة، رغم كل الصعوبات، ولا شكّ أنها تتضمّن فرصاً لأطراف كثيرة تأتي الصين في طليعتها، قبل الولايات المتحدة، إلى جانب دول رابطة «آسيان» العشر.

وأهم تلك الفرص أن لا تقع حربٌ ولو محصورة في تلك المنطقة، لأن آثارها وسلبياتها ستنعكس حتماً على مجمل الإقليم، كما هي الحال مع أوروبا إزاء الحدث الأوكراني. لا تسعى الصين إلى حرب لاسترجاع جزيرة تايوان إلى سيادتها. إذ أن استخدام القوة في حالٍ كهذه لن يكون مفيداً على المديين المتوسّط والطويل، والأفضل أن يُحلّ الصراع بالوسائل السلمية والمبادرات الخلّاقة، وهذه لا يمكن ايجادها وتفعيلها إلا بمساهمة الطرفين الصيني والتايواني، بعيداً عن التدخّلات الأميركية.

وقد سبق للطرفين أن تداولا العديد من الأفكار وبلوَرا اتفاقات ساهمت في تبادل الاستثمارات بعشرات المليارات وتعزيز اقتصادَيهما بعدد كبير من المشاريع والشركات، بل إن مئات الآلاف من مواطني يقطنون هنا وهناك لمتابعة الأعمال والمصالح المشتركة. هذا النهج هو الأنسب للطرفين، إذ إنه يتطابق مع مفهوم الصين للعلاقات مع العالم وليس فقط مع الجوار الإقليمي. بالطبع ليس سهلاً تجاوز الاعتبارات التاريخية، وبالأخص عندما تكون منذ أكثر من سبعة عقود على تماسٍ دائم مع الهواجس الدفاعية والأمنية وحتى السيادية.

استطاعت الصين أن تؤمّن التزاماً دولياً ثابتاً بـ «احترام مبدأ الصين الواحدة» ووثّقته بقرارات في الأمم المتحدة، ورسّخته ثم دعمته بالشراكات الاقتصادية الواسعة التي أقامتها في العالم، ولم تجد الدول كافة، بما فيها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، كما الآسيوية والأفريقية، أي مشكلة في احترام ذلك المبدأ والامتناع عن الاعتراف بتايوان أو إعطائها أي صفة في المنظمات الأممية. لم تبدِ بكين استعجالاً لاسترجاع الجزيرة إلى سيادتها، فهي كانت حدّدت سنة 2050 لرؤية هذا الهدف محقّقاً، وبطريقتها، لذلك فهي لم تضع حزمها وتصميمها على «الصين الواحدة» موضع شكّ إلّا أن استفزازات متراكمة قبل زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي لتايوان استوجبت تلويحاً بالقوة.

فرض الاستفزاز الأخير على التواصل الأميركي - الصيني، والصيني - التايواني، توتراً وتشنجاً غير مجديين في توطيد الاستقرار الإقليمي والدولي. فبدلاً من تبادل الاتهامات بـ «اللعب النار» كانت ولا تزال هناك حاجة ماسّة إلى حوار يوقف التصعيد، خصوصاً أن الكثير من القضايا في العالم تتطلب التعاون وليس تعليق التعاون بين واشنطن وبكين، كما يشير الأمين العام للأمم المتحدة.

في مختلف السيناريوات لا تبدو أميركا مقبلة على الاعتراف باستقلال تايوان، لكن استمرارها في اللعب على غموضٍ لم يعد بنّاءً لا يختلف هنا عن ذلك الغموض الذي مورس حيال ضمّ أو عدم ضمّ أوكرانيا إلى «الناتو»، وأدّى في النهاية إلى الغزو الروسي والأزمات التي استتبعها.

لم تكن بكين غامضة بالنسبة إلى أهدافها، فهي مصممة على تحقيق «الصين الواحدة»، ومن دون حرب تفتح الأبواب على التدخّلات.

*كاتب ومحلل سياسي- لندن