كرئيس للبنك المركزي الأوروبي، أنقذ ماريو دراغي اليورو. وفي تقديري، هذا يجعله أعظم محافظ بنك مركزي في التاريخ، متفوقا حتى على رئيسي الاحتياطي الاتحادي الأميركي السابقين، بول فولكر الذي أخضع التضخم للسيطرة، وبن برنانكي الذي ساعد في تجنب الكساد الكبير الثاني. ومن ثم لم يكن مفاجئا على نحو ما، العام الماضي، أن يتم تعيين «دراجي» لقيادة الحكومة الائتلافية الجديدة في إيطاليا التي غالبا ما يطلق عليها «تكنوقراطية»، لكنها في الواقع حكومة وحدة وطنية شُكلت للتعامل مع عواقب جائحة كوفيد-19.

وفي ديمقراطية سليمة، يجب ألا يكون أحد لا يمكن الاستغناء عنه، لكن يمكن القول إن «دراغي» لا يمكن الاستغناء عنه، باعتباره الشخص الوحيد الذي يتمتع بالمكانة المرموقة التي تمكنه من لم الشمل. لكن حتى هو لم يفلح. ففي مواجهة ما يرقى إلى التخريب من قبل شركائه في التحالف، استقال «دراجي» ببساطة، مما خلق مخاوف من أن الانتخابات القادمة ستصعد بالشعبويين اليمينيين المناهضين للديمقراطية إلى السلطة. وليس لدي فكرة عما سيحدث. إيطاليا، مثل أي دولة، مميزة من نواح كثيرة، لكن ليس في بعض النواحي التي يتخيلها كثير من الناس.

ولا، إنها ليست غير مسؤولة من الناحية المالية. ولا، ليست عاجزة عن إدارة شؤونها الداخلية. وخطر استيلاء اليمين المتسلط على السلطة لا يكاد يكون خاصاً بإيطاليا، فإذا لم تشعر بالرعب من هذا الاحتمال هنا في أميركا، فأنت لا تنتبه. صحيح أن إيطاليا تعاني بالفعل من مشكلة ركود اقتصادي.

حتى قبل ظهور الجائحة، كانت إيطاليا جديرة بالاهتمام لأنها مرت بعقدين من الزمن دون نمو النصيب الحقيقي للفرد من الإنتاج المحلي الإجمالي. والركود مهم ويُشكل لغزاً اقتصادياً كبيراً.

لكنه ليس محورياً في الأحداث الجارية فيما يبدو. ومن نواحٍ أخرى، تبدو إيطاليا جيدة الأداء بشكل مدهش نظرا لسمعتها. والجدير بالذكر أنها قامت بعمل أفضل بكثير من الولايات المتحدة في إعطاء سكانها اللقاحات. صحيح أن الأميركيين يحصلون في المتوسط ​​على دخل أعلى من الإيطاليين، لكن موتنا في سن أصغر أكثر ترجيحا بكثير. وماذا عن سمعة إيطاليا لعدم مسؤوليتها المالية؟

في زمن ما، كانت هذه السمعة السيئة لها ما يسوغها، فقد ترك الطيش في الماضي إيطاليا تعاني من ديون مرتفعة نسبيا (على الرغم من أنها لا تقارن بديون بعض الدول الأوروبية الأخرى أو اليابان أو بريطانيا في معظم القرن العشرين). لكن في السنوات القليلة الماضية، انضبطت إيطاليا إلى حد كبير في إنفاقها. ولنأخذ في الاعتبار الميزان المالي الأساسي - إيصالات الضرائب مطروحا منها النفقات الحكومية بخلاف مدفوعات الفائدة.

فحتى وقوع الجائحة، كان لدى إيطاليا في الواقع فوائض أولية متواصلة، أكبر قليلا من بقية أوروبا كحصة من الإنتاج المحلي الإجمالي، وفي تناقض حاد مع العجز في الولايات المتحدة. وفي الفترة من 2010 إلى 2012، عانت إيطاليا إلى جانب دول أخرى في جنوب أوروبا، من أزمة ديون، مع تصاعد الفارق بين كلفة الاقتراض الإيطالية والألمانية. لكن كما أشار عدد قليل من المحللين، فهذه الأزمة بدت مدفوعة بالذعر الذاتي أكثر من تأثرها بالإفلاس الأساسي.

وانهمك المستثمرون، في الواقع، في سباق على الحصول على ديون دول جنوب أوروبا، مما تسبب في عجز نقدي لم تتمكن هذه البلدان التي ليس لديها عملاتها الخاصة وبالتالي لم تتمكن من طباعة المزيد من الأموال، من حسم المشكلة. وفي هذه المرحلة، جاء دراغي.

ففي يوليو 2012، كرئيس للبنك المركزي الأوروبي، قال ثلاث كلمات -«لتأخذ ما تقتضيه»- واُعتبر هذا وعد بأن البنك سيقدم النقد حسب الحاجة إلى البلدان التي تمر بأزمة. وكان مجرد الوعد كافيا. وانخفضت الفوارق واختفت الأزمة. والآن، تصاعد الفارق ثانية. ليست بمستويات عام 2012 حتى الآن، فحتى الأيام القليلة الماضية، كانت السندات الإيطالية ذات العشر سنوات تحقق 2.3 نقطة مئوية «فقط» أكثر من الألمانية. لكن هذه المرة، قد تكون أزمة إيطاليا أكثر صعوبة في الحل من أزمة اليورو في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

لماذا؟ صحيح أن البنك المركزي الأوروبي، في الواقع، يحاول مرة أخرى اتباع خطى دراغي. فقد قدم مخططا جديدا لشراء سندات من المفترض أن يمنع هذا النوع من تفتت السوق الذي كاد يقضي على اليورو قبل عقد من الزمن. لكن في حين أن كريستين لاجارد، الرئيسة الحالية للبنك المركزي الأوروبي، ذكية ومؤثرة، فمن غير الواضح مدى إمكانيه اتباع سياسة دراغي دون وجود دراغي نفسه. وعلى أي حال، فروق العائدات ليس هي القصة المهمة هنا، على الرغم من أنها ليست غير ذات صلة أيضا.

الصورة الأكبر هي أنه في وقت تتعرض فيه أوروبا بالفعل لضغوط شديدة، تتمثل في محاولة الرد على العملية الروسية في أوكرانيا، ومحاولة التأقلم مع الارتفاع الهائل في التضخم الناجم جزئيا عن القرار المتهور بالاعتماد بشكل كبير على الغاز الطبيعي الروسي، يبدو أن إحدى الدول الكبرى في القارة على وشك أن تسقط في هوة سحيقة. وهذا ليس ما نحتاجه. من ناحية أخرى، ما مدى اختلاف إيطاليا عن بقيتنا؟ لا علاقة للأزمة الإيطالية بالإسراف المالي أو عدم الكفاءة العامة، كما قلت، الأمر كله يتعلق بصعود القوى المناهضة للديمقراطية، والذي يحدث في جميع أنحاء الغرب. والتشظي السياسي في إيطاليا والعجز الواضح ليسار الوسط عن توحيد جهوده على الرغم من الخطر الواضح والقائم من اليمين - قد يصعدان بالأحزاب المستبدة إلى السلطة في وقت أقرب من أي مكان آخر. لكن ربما ليس في وقت مبكر.

ليس من الصعب على الإطلاق رؤية كيف يمكن للديمقراطية الأميركية أن تنهار بشكل فعال بحلول عام 2025. وأتفق مع الصحفي الأميركي الراحل ديفيد برودر في قوله إن إيطاليا تعكس مستقبل الغرب، وهذا المستقبل قاتم.

*أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/07/22/opinion/italy-draghi-ecb.html