يمكننا هذه الأيام الحديث عن غياب «الأمن الاجتماعي الدولي»، قد يكون ذلك قد بدأ فعلاً حين أطل فيروس كورونا في بدايات عام 2020، أو بفترات سابقة مختلفة، لكنه تصاعد منذ الحرب الروسية- الأوكرانية وتفاقم بارتفاع أسعار النفط ونقص الغذاء ومحاولات دول «الناتو» خنق روسيا، الذي جاء بردة فعل عكسية، أثرت على العالم أجمع، وتزايدت أكثر بفضل التهديدات الصينية لزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي إلى تايوان، ثم مؤخرا ما كشفه تقرير سري للأمم المتحدة أن كوريا الشمالية اتخذت خطوات للتحضير لتجربة نووية على مدار الأشهر الستة الماضية، وأيضا ظل مستمرا، وأصبح مستعرا في ظل زيادة مخاطر الاحتباس الحراري الذي يغزو العالم اليوم ويحرق غاباتها.
بالطبع فإن مصطلح «الأمن الاجتماعي الدولي» غير مستخدم في الأدبيات السياسية والأمنية، مع أن «الأمن الدولي» الذي نعرفه، هو مصطلح متداول منذ إنشاء مجلس الأمن الدولي في 24 أكتوبر 1945، حيث أنشأ ميثاق الأمم المتحدة ستة أجهزة رئيسية للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن. ويضع ‏الميثاق المسؤولية الرئيسية عن حفظ السلم والأمن الدوليين على عاتق مجلس الأمن، ‏وللمجلس أن يجتمع كلما ظهر تهديد للسلم بهدف حفظ السلم والأمن الدوليين، وإنماء العلاقات الودية بين الأمم، والتعاون على حل المشاكل الدولية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان، والعمل كجهة مرجعية لتنسيق أعمال الأمم.‏
ليس هناك منظمة عالمية مسؤولة عن «الأمن الاجتماعي الدولي»، فكل دولة من دول العالم ترى نفسها مجتمعا مستقلا، والحديث عن «المجتمع الدولي» هو حديث عن دول وليس مجتمعات أو شعوب فقط، لذلك تبدو المشكلات الاجتماعية لكل مجتمع، إلى حد بعيد، مختلفة عن المجتمع الآخر، لكن خلال انتشار فيروس كورونا، تبين أن هناك حقيقة دامغة مفادها أن العالم هو مجتمع واحد هو مجتمع الإنسانية، وإن المشكلات الكبرى، والتهديدات التي تؤثر على البشرية جمعاء، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم صحية أم بيئية، تحتاج إلى عمل من نوع آخر، ليس مجلس الأمن فحسب، بل أفكار يمكنها بحق المساهمة في تخفيف التوتر الاجتماعي الدولي، وشعور الشعوب أن هناك مخرجاً آمناً للمشكلات الاجتماعية الناشئة عن المشكلات السياسية والاقتصادية والكوارث الصحية والبيئية.
إذا لم يكن بمقدور الولايات المتحدة الأميركية حالياً أن تعلب دوراً أساسياً في تخفيف حدة «التوتر الاجتماعي العالمي» وطمأنة الدول والمجتمعات تحديداً، والبحث مع الأوروبيين عن نقطة نظام واحدة يمكنها اجتذاب روسيا والصين، لوضع خريطة وخطة عمل تقضي بتقريب وجهات النظر، بطريقة أو بأخرى، بدل زيادة جرعات النزاع والتوتر، كما فعلت في أفغانستان ثم مصر وسوريا وغيرها، فإن على «المجتمع الدولي» أن يتحرك بسرعة، لإيجاد أفكار عملية جذرية، يمكنها العمل على تهدئة هذا الصراع المحتد المتداخل، وحث الجميع على الجلوس على طاولة السلام.
لاحظنا أن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لمنطقة الشرق الأوسط قد تزامنت مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران، وكان ذلك من شأنه زيادة حدة التصعيد العالمي، حيث يتجه التعاون على هذا الصعيد، بين أميركا والاتحاد الأوروبي من جهة وبين الصين وروسيا وإيران من جهة أخرى، إلى جانب المشكلات العالقة بين روسيا وتركيا وبين أميركا وتركيا، مع حياد دول الخليج، إلى تكوين تحالفات سياسية واقتصادية، ستشكل تهديدات جديدة محتملة على الأمن الاجتماعي الدولي، كان أولها ما أوردته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية مطلع هذا الأسبوع، حول استخدام الروس للقمر الصناعي الإيراني «خيام» الذي ستطلقه روسيا الأسبوع المقبل، وأن كل الأوامر المرتبطة بالتحكم بهذا القمر الصناعي وتشغيله سيتم إصدارها من اليوم الأول ومباشرة بعد الاطلاق من قبل خبراء إيرانيين في قواعد الفضاء العائدة لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وسيعزز ذلك من قدرة طهران على التجسس على أهداف عسكرية على امتداد الشرق الأوسط، لكن بداية تعتزم موسكو استخدامه للمساعدة في جهودها الحربية الخاصة بأوكرانيا، حسب ما أوردته صحيفة «واشنطن بوست».
لذلك، فيمكن القول إن «الأمن الاجتماعي الدولي» هو ثمرة جهود مشتركة من قبل جميع دول العالم ومؤسساتها الاجتماعية وقيادتها لنزع كافة التوترات والصراعات التي تهدد الدول والمجتمعات الآمنة للحيلولة دون وقوع أو تفاقم النزاعات الدولية والكوارث العالمية كالحروب والمشكلات البيئية والصحية. ويمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة، وحسب رؤيتها وتاريخها وعلاقاتها الممتدة حول العالم، قيادة مؤتمر عالمي يدعو لحفظ الأمن الاجتماعي الدولي، تحضره كافة الدول والمؤسسات الاجتماعية، لوضع خريطة طريق وخطة عمل تساهم  في عملية سلام شاملة وحفظ الأمن الاجتماعي الدولي.

* لواء ركن طيار متقاعد