يا إلهي.. كيف تمر السنّون بهذه السرعة المذهلة، لقد مرّت سبع سنوات على رحيل الدكتور أحمد زويل. تشرفتُ بالعمل مستشاراً للعالِم العظيم قبل حصوله على جائزة نوبل وبعدها، كما سعدتُ بالسفر معه إلى عدة دول، التقيتُ معه خلالها.. ملوكاً ورؤساء ونخبة من كبار العلماء.
ثم إنني سعدتُ بتحرير كتابه «عصر العلم»، وهو الكتاب الذي كتب مقدمته الأولى الأديب العالمي نجيب محفوظ، وتشرفتُ بكتابة مقدمته الثانية.. وهو بالطبع العمل الوحيد الذي ضم اثنين من العمالقة العرب الحائزين على جائزة نوبل.
في عام 2007 زرتُ إسبانيا مع الدكتور أحمد زويل، وهناك حضرتُ محاضرته في الأكاديمية الإسبانية للعلوم، وكان عنوانها «رؤية اللامرئي». كان الدكتور زويل في تلك الأثناء قد نشر كتاباً في لندن بعنوان «الفيزياء البيولوجية.. من الذرة إلى الطب»، وهو كتاب يضم أوراق مؤتمر علمي انعقد في هيوستن، وشارك فيه(6) علماء حائزين على جائزة نوبل، والكتاب يمثّل قمة الإبداع في المزج بين العلوم.
في ذلك الكتاب نشر العالم الأميركي «ديفيد بلتيمور» الرئيس الأسبق لجامعة «كالتك»، والحاصل على جائزة نوبل في الطب، فصلاً بعنوان «علم الأحياء في القرن الحادي والعشرين». كما نشر عالم الكيمياء البريطاني في جامعة كامبريدج السير «جون توماس» فصلاً عن «الثورة الجديدة في العلم»، والسير توماس هو زوج عالمة الكيمياء المصرية الدكتورة جيهان رجائي.
من الفصول المثيرة في هذا الكتاب.. فصل عن الإدراك، كيف يتشكل الإدراك، وكيف يرتبك، وكيف يمكن تعديل الإدراك. وفصل آخر عن «الطب الشخصي».. حيث سيقوم الإنسان في المستقبل القريب بالتعامل الطبي مع نفسه، من أخذ عينة وتحليلها، ومعرفة تطورات حالته، ومتى يذهب للطبيب، وماذا يقول له. واتصالاً بذلك يتضمن الكتاب ما يمكن تسميته «الطب الاستباقي»، أي كيفية التدخل في مرحلة ما قبل المرض، وذلك لمنعه، أو لتحجيمه، ويقوم ذلك الطب على دراسة الخلية وحركتها وسلوكها، حتى إذا ما كانت هناك حركة باتجاه تشكيل مرض ما، يجري وقف هذه الحركة أو تعديل مسارها.
لمّا سألت الدكتور زويل في مدريد عن تلك التطورات الخيالية في العلم.. قال لي: إن هناك الآن ما يمكن تسميته البعد الرابع، حيث يمكن إدراك المادة في المكان والزمان معاً، في أقل مساحة من المكان وأقل جزء من الزمان.
وهذا البعد الرابع، ومع تطور علوم المعقدات التي تمزج بين العلوم.. حيث الفيزياء مع الكيمياء مع الأحياء مع الطب في سياق واحد، إنما يمهد لثورة علمية كبرى.. بدأت إرهاصاتها بالفعل.
قلت للدكتور زويل: كيف يتم تمويل هذه الأعمال المدهشة؟ قال لي: هناك روافد عديدة للتمويل.. وحين ألقيت محاضرة أمام جوردون مور صاحب شركة أنتيل الشهيرة، أُعجب بعملنا وقرر لنا منحة بحثية قدرها (20) مليون دولار، وقد حصلنا قبل شهور على براءة اختراع في هذا الصدد. ثم قال الدكتور زويل ضاحكاً: إننا نعمل من أجل رؤية اللامرئي.. تلك الأشياء متناهية الصغر. وهناك من يرون أهمية ما نرى في اللامرئي.. ولذلك يدعموننا!
رحم الله الدكتور أحمد زويل.. أستاذاً وصديقاً.. لقد كان أحمد زويل أسطورة تعيش بيننا.
* كاتب مصري