وقع الرئيس جو بايدن يوم الثلاثاء (9 أغسطس) على قانون يقدم دعما بقيمة 52 مليار دولار لصناعة أشباه الموصلات، مما يدشن ما سيكون أحد أكبر برامج التنمية الصناعية التي تديرها الحكومة الاتحادية. والتشريع الذي طال انتظاره سيحفز بناء أكثر من ستة مرافق لتصنيع أشباه الموصلات الكبيرة في الولايات المتحدة، مما يوفر إمدادات أكثر أمانا للمكونات الصغيرة التي تعتبر مهمة جدا للإلكترونيات الحديثة التي تعتبر ضرورية للأمن القومي. ويجيز مشروع القانون أيضا عشرات المليارات من الدولارات لدعم البحث والتطوير الاتحادي ودعم الشركات الإقليمية الناشئة للتكنولوجيا، وهو ما تأمل الإدارة أن يؤدي إلى انفراجات تجارية في مجالات جديدة مثل حوسبة الكوانتم والذكاء الاصطناعي. 

وقبل قليل من التوقيع على التشريع في احتفال بالبيت الأبيض، صرح بايدن قائلا «اليوم هو يوم البنائين. واليوم، أميركا تنجز». ويأتي الدعم في غمرة نقص عالمي شديد في رقائق الكمبيوتر التي أعاقت صانعي السيارات وشركات التصنيع الأخرى، مما أجبرهم على خفض الإنتاج. ولن تحل الأموال الاتحادية هذا النقص على المدى القصير، لكنها ستحفز مشروعات البناء الكبيرة لشركة مثل انتل وشركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات وميكرون وسامسونج وجلوبال فاندرايز وغيرها من الشركات التي تستهدف بناء مصانع جديدة عالية الكلفة لإنتاج الرقائق في السنوات القادمة. 
ووزارة التجارة ستصبح مسؤولة عن الإشراف على الدعم وتقوم بالفعل بعملية تعيين طاقم جديد يمكن أن يشمل بضع عشرات من الأشخاص، وفقًا لمصادر مطلعة اشترطوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة الخطط الأولية. والولايات المتحدة ليست جديدة تماما على السياسة الصناعية التي تتدخل الحكومة من خلالها في الاقتصاد لدعم القطاعات التي تعتقد أنها ضرورية للأمن القومي والنمو. وساعد الإنفاق الاتحادي الكبير على البحث والتطوير في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، الولايات المتحدة على ابتكار صناعة أشباه الموصلات. لكن السياسة الصناعية لم تواكب التطورات في العقود القليلة الماضية، مع دأب المحافظين على انتقادها باعتبارها نهجا في التبذير في اختيار الفائزين والخاسرين. لكن المنافسة التكنولوجية المتزايدة مع الصين أجبرت كثيرين من المشرعين الأميركيين، من بينهم «جمهوريون»، على تأييد تدخل حكومي أكبر. 
ويرى سكوت كينيدي، الخبير في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن «اعتماد قانون الرقائق والعلوم يمثل نقطة فاصلة في السياسة الاقتصادية الأميركية. يبدو الأمر كما لو أنها بداية حقبة جديدة يُنظر فيها إلى الدعم الحكومي لتعزيز القدرة التنافسية للصناعات - لأسباب تتعلق بالأعمال والأمن القومي والصحة العامة والبيئة – باعتباره ضروريا وطبيعيا أكثر مما كان عليه الحال في الماضي». ووصف «داني رودريك»، أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي بجامعة هارفارد، القانون بأنه مهم تاريخيا «لأنه علامة على أننا تجاوزنا أصولية السوق ولأنه يوضح أن هناك الآن دعما من الحزبين للسياسات الصناعية». كما يرى أن التشريع قد «يصيب أكثر من هدف في وقت واحد، أي تعزيز التصنيع، وتعزيز الأمن القومي في مواجهة الصين، وخلق وظائف جيدة». وجاء في رسالته بالبريد الإلكتروني أنه حين يتعلق الأمر بالوظائف تحديدا، تحتاج الولايات المتحدة إلى «أنواع مختلفة من السياسة الصناعية لمعالجة سوق العمل لدينا والتفاوتات الإقليمية». 
وأصبحت شركة «ميكرون» أحدث هذه الشركات. فقد أعلنت في وقت مبكر يوم الثلاثاء أنها ستنفق 40 مليار دولار على منشآت جديدة لتصنيع الرقائق في الولايات المتحدة حتى نهاية العقد الجاري. وذكرت الشركة التي مقرها بويز في ولاية أيداهو، إن الاستثمار سيوفر خمسة آلاف وظيفة في التكنولوجيا المتقدمة في «ميكرون» وسيصل بحصة الولايات المتحدة في التصنيع العالمي لما يسمى برقائق الذاكرة إلى 10% صعودا من 2% اليوم. وتقوم رقائق الذاكرة بتخزين البيانات وهي حيوية للتقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي واتصالات الجيل الخامس والحوسبة السحابية.
وصرح سانجاي ميهروترا، الرئيس التنفيذي لشركة «ميكرون» لصحيفة «واشنطن بوست» أن الاستثمار يعتمد على حصول الشركة على جزء من الدعم البالغ 52 مليار دولار الذي يوفره قانون الرقائق والعلوم الجديد. ومضى مهروترا يقول «هذا التشريع يمكننا من القيام باستثمارات لم نكن لنقوم بها في الولايات المتحدة بغيره». وأضاف أن المنشآت الجديدة ستصنع رقائق «رائدة». وأكد أنه «من دون قانون الرقائق، ما كان لهذا الإنتاج أن يحدث في الولايات المتحدة، ولربما حتى انخفضت نسبة 2% بمرور الوقت إلى نسبة أقل». وصرح أن شركة «ميكرون» تدرس «ولايات مختلفة» لتكون مواقع في المستقبل لمنشآت التصنيع وستعلن قرارها في الأسابيع المقبلة. وأضاف أن الشركة تصنع معظم رقائقها وجميع رقائقها الأكثر تقدما تكنولوجياً في اليابان وسنغافورة وتايوان.

ورقائق الكمبيوتر هي العقول المشغلة لجميع الأجهزة الإلكترونية الحديثة لكنها تعاني من نقص في المعروض منذ ما يقرب من عامين وسط ارتفاع الطلب وقلة المصانع في جميع أنحاء العالم. وقلة من الشركات أبدت استعدادها لاستثمار مليارات الدولارات اللازمة لبناء المصانع التي بها بعض من أغلى معدات التصنيع في العالم الصناعي. وقوض النقص جميع أنواع التصنيع التي تعتمد على رقائق الكمبيوتر - وأبرزها إنتاج السيارات الذي توقف في الولايات المتحدة ودول أخرى، مما تسبب في عجز في المعروض من السيارات وارتفاع أسعارها. 

ودفع النقص في الرقائق الدول في جميع أنحاء العالم إلى توجيه مليارات الدولارات من الدعم للمصنعين على أمل تدشين المزيد من المصانع. والرقائق لا تدعم الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية فحسب، بل تدعم أيضا مجموعة متنوعة من المعدات العسكرية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة إف-35 وصواريخ جافلين. ومن ثم، تعتبر الرقائق محورية في الأمن القومي. وأقر الكونجرس صفقة الدعم الأميركية بدعم نادر من الحزبين في وقت متأخر من الشهر الماضي، بعد أكثر من عام من الجدل هدد بتأجيل بعض مشروعات بناء المصانع. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»