تسيطر القوات الروسية منذ مارس الماضي على محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا، وهى أهم محطة لتوليد الطاقة النووية لا في أوكرانيا وحدها وإنما في أوروبا، وهي تنتج حوالي نصف الطاقة النووية في أوكرانيا وخمس الطاقة بصفة عامة، وقد أبقت روسيا على طاقمها الأوكراني وإن كانت السلطات الأوكرانية تشكو من سوء الظروف التي يعمل فيها.
ونذكر التوترات التي أحاطت بملابسات الاستيلاء على المحطة في مارس الماضي إلى أن استقرت الأمور، وقد عاد هذا التوتر في الأيام الأخيرة مع تبادل الاتهامات بين الطرفين بقصف المحطة وممارسة الإرهاب النووي، والتحذير من مخاطر كارثة نووية جديدة على غرار كارثة مفاعل تشيرنوبل الأوكرانية أيضاً في 1986التي أدت إلى إجلاء 360 ألف شخص من محيط30 كم حول المفاعل وتلوث إشعاعي قُدر أنه طال قرابة ثلاثة أرباع أوروبا، ناهيك عن عدد غير متفق عليه من الخسائر البشرية.
وقد أدت هذه المخاطر إلى ردود فعل دولية واسعة، فأعرب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن القلق العميق بسبب التقارير الواردة عن قصف المحطة، وطالب بالوقف الفوري لأي عمل عسكري بالقرب منها، وذكر أنه يواصل التشاور مع الأطراف المعنية لتقديم المساعدة وضمان أمن الموقع، ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أي هجوم على محطة نووية بأنه عمل انتحاري، وطالب بالسماح لمفتشين دوليين بدخول المحطة للتحقق مما يجري.
وأدان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي الأنشطة العسكرية الروسية حول المحطة، ووصفها بالانتهاك الخطير لقواعد السلامة النووية، وأيد مطلب السماح لمسؤولين بوكالة الطاقة الدولية بزيارة المحطة، وزادت مجموعة الدول الصناعية السبع بالقول في بيانها أن احتلال روسيا للمحطة هو السبب الأصيل في هذه المخاطر، وأشارت إلى القلق العميق من التهديد الخطير الذي يشكله الجيش الروسي على أمن المنشآت النووية الأوكرانية، وطالبت بإعادة المحطة لأوكرانيا، وهو ما اشتركت فيه الولايات المتحدة وزادت بالمطالبة بإقامة منطقة منزوعة السلاح حول المحطة.
وثمة ما يدعو لإمعان النظر في التطورات السابقة، وبغض النظر عن البعد القانوني للمسألة الذي يفيد بتبعية المحطة لأوكرانيا فليس مفهوماً لماذا تقصف روسيا محطة تسيطر عليها؟ وبالتالي فإن الاتهامات الأوكرانية والغربية لروسيا تبدو غريبة، ويبدو الأقرب للمنطق أن أوكرانيا وأصدقاءها يمارسون لعبة خطرة للضغط على روسيا ضمن إطار الصراع الدائر الآن، ذلك أن تحميل روسيا المسؤولية عن كارثة نووية محتملة قُدرت آثارها بعشرة أمثال آثار كارثة تشيرنوبل من شأنه أن يضع عليها ضغوطاً هائلة لكي تتراجع عن سلوكها الحالي.
والواقع أن هذا النوع من التفكير ينطوي على مشكلتين أولاهما أن هذه الألعاب الدولية خَطِرة للغاية. ومن شأن أي خطأ في حساباتها أن يفضي إلى كارثة ليس من الضروري أن تكون بحجم ما وقع في تشيرنوبل، ولكنها ستنطوي بالتأكيد على خسائر مادية وبشرية فادحة، وقد يقلل إلى حد ما من هذا الاحتمال أن محطة زابوريجيا وفقاً لخبراء متخصصين تقع في مبنى خرساني مُقَوى بالفولاذ يمكنه تحمل الأحداث الخارجية الشديدة سواء كانت كوارث طبيعية أو من صنع الإنسان. 

وإن كان الخطر يبقى قائماً والتحسب له مطلوب بطبيعة الحال، أما المشكلة الثانية فهي أنه من الواضح أن المحطة تعني الكثير لروسيا وخططها في أوكرانيا، وقد أفادت الشركة الأوكرانية المُشَغلة للمحطة أن القوات الروسية تستعد لربطها بشبه جزيرة القرم، والحقيقة أن هذه المعضلة ليست خاصة بمحطة زابوريجيا فحسب، وإنما بعموم الحسابات الروسية في أوكرانيا، وهي حسابات تُعقد، جنباً إلى جنب مع الخطط الغربية وبالذات الأميركية والبريطانية لاستنزاف روسيا، أي محاولات قريبة للتسوية السياسية للحرب الدائرة في أوكرانيا.
* أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة