يمكن تعريف المناطق الرمادية كوضع من غياب أو ضعف الديمقراطية التعددية في دول وأقاليم تحتضن شعوب ومجتمعات وأقليات متعددة الأعراق والأديان والمذاهب. وهذه المناطق قد تحدث فيها نزاعات وحروب أهلية لها القدرة على التمدد بطبيعتها العرقية والدينية إلى حروب دولية. 
تعتبر منطقة البلقان-جنوب شرق أوروبا أحد أهم المناطق الرمادية، فهي تتميز بتعدد الأعراق والأديان والمذاهب والثقافات في دولها، ويحق للخبراء السياسيين وصف المنطقة بالرمادية، طالما هذه التعددية لم يتم احتواؤها في إطار نظام سياسي ديمقراطي متعدد يقوم على أحزاب ونقابات ومؤسسات جامعة لمختلف فئات الشعب، وليس على أسس إثنية أو دينية. فمنطقة البلقان يكتنفها الشكوك في قدرتها على منع إذكاء نار النعرات العرقية والدينية، التي تحفزها الحرب الروسية الأوكرانية، مع حضورها في أوروبا الغربية عبر الحراك الاجتماعي والأحزاب اليمينية والفاشية. وهذه الشكوك تحولت إلى مخاوف دولية مع واقعة احتجاج وإطلاق نار في شمال كوسوفو من قبل مواطنين من أصول صربية، على خلفية إصدار «برشيتينا» قانون استخدام وثائق شخصية ولوحات سيارات كوسوفية، وهو قرار ينطلق من سيادة الدولة وقانونها. 
فرغم مظاهر العلمانية في منطقة البلقان المثقلة بالتحولات التاريخية والحروب، مازالت الهوية الوطنية تعاني من تزايد النعرة العرقية والقومية والدينية، فهناك مشاعر قومية صربية ترى كوسوفو جزءاً منها، رغم أن غالبية سكانها من المسلمين بأكثر من 95% من إجمالي السكان، وهي «كوسوفو» تعتبر أعلى دولة متجانسة إثنياً ودينياً في البلقان، تليها ألبانيا. 

وفي ظل سياق حدوث نزاعات إثنية في البلقان، ستكون كتلة من النار تتزايد وتكبر خارج الحدود، على سبيل المثال، ربما تواجه مقدونيا أزمة مع الأقلية الألبانية القوية فيها، والتي تبلغ أكثر 500.000 نسمة، بما يعادل ربع إجمالي السكان. وهناك قابلية لصدام متعدد في البوسنة والهرسك، التي تعتبر متعددة الأعراق من البوشناق المسلم المقدر بأكثر من نصف الشعب إلى جانب الكروات الكاثوليكي بنسبة أكبر من الصرب الأرثوذكسي، فأي نزاع داخلي سيدخل دولة كرواتيا وصربيا في الأزمة. علاوة على إشعال نار الولاءات إلى قوى خارجية متنافسة، فالبعد الديني والعرقي سيجعل ولاء كوسوفو والبوسنة وألبانيا إلى تركيا، وكرواتيا الكاثوليكية إلى أوروبا الغربية، بينما صربيا والجبل الأسود وبلغاريا وربما اليونان إلى شطر روسيا الأرثوذكسية.
ثمة شكوك بشأن مدى اندماج سكان منطقة تراقيا المقسمة بين تركيا وبلغاريا واليونان، حيث تعد مصدراً ممكناً للنزاع بينهم. ومن التعقيد بأن هناك صراعات بين مقدونيا واليونان، الشقيقتين في المذهب الأرثوذكسي، فقد كانت اليونان ترفض أية دولة تسمي نفسها مقدونيا، وتشكك في وجود قومية مقدونية، فالخلاف بينهما يرتبط أيضاً بالحدود الشمالية وشخصية الإسكندر المقدوني التاريخية. 
بعد عرض المخاطر المحيطة بمنطقة البلقان، نحتاج إلى استثمار الجهود الدبلوماسية الدولية والعلاقات الاقتصادية لمنع حدوث أي صدامات في منطقة البلقان قد تقود إلى حروب أهلية ودولية تتجاوز أوروبا. 

* كاتب ومحلل سياسي