لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع الاستدارة التركية باتجاه دمشق، في توقيت مفصلي للملف السوري، وفي ظل تحديات عالمية غير مسبوقة على الصعيد السياسي والاقتصادي، لتخرج التصريحات التركية الرسمية التي تناولت تطبيع العلاقات مع سوريا، لتشكل انفراجة معنوية للأزمة بين البلدين، كان أبرزها تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، والذي تحدث بدوره بشكل واضح عن مصالحة، ما يفسر غضب المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة التابعة لتركيا في الشمال السوري، والتي يبدو أنها تشعر بوجود تفاهمات خفية من شأنها إنهاء وجودها وانتهاء دورها المسلح. 
انقطعت العلاقات الرسمية بين تركيا وسوريا لأكثر من عقد من الزمان، بسبب دعم تركيا لما يسمى بالمعارضة السورية منذ العام 2011. ويبدو أن التصعيد التركي السوري وصل إلى طريق مسدود دون تحقيق نتائج إيجابية تذكر، بل على النقيض أضرت بمصالح تركيا السياسية والاقتصادية، فالتدخل العسكري سيُواجه بمعارضة دولية وإقليمية، والمناخ السياسي في المنطقة يتجه لتصفير الأزمات لمواجهة التحديات الدولية الراهنة، ولذلك، فتحت التصريحات التركية الإيجابية أبواباً انقطعت لفترة طويلة، في دلالة على وجود نوايا إيجابية باتجاه المصالحة مع سوريا، ما يعكس أن المعارضة السورية في طريقها للتهميش ونزع السلاح.
أعتقد أن القمة الثلاثية التي عُقدت في طهران الشهر الماضي، بين قادة تركيا وإيران وروسيا، هي المؤشر الأول لوجود تفاهمات جديدة حول الملف السوري، فسرت ما جاء بعدها من تصريحات تركية إيجابية، حيث يبدو برأيي أن اللقاء الثلاثي في طهران رتّب تسويات تتعلق بمستقبل الفصائل المسلحة، في تغيير كبير لاستراتيجية تركيا في الملف السوري في مواجهة مصالح الولايات المتحدة، وستحصل تركيا على آليات بديلة تغنيها عن التصعيد العسكري، بحيث يقوم الجيش السوري بمراقبة التحركات العسكرية الكردية التي تقلق تركيا، ما يخدم مصالح روسيا وإيران ويحقق التقارب بين أنقرة ودمشق. وعليه، تقل أهمية المعارضة السورية لدى تركيا بشكل كبير، فلم تعد تركيا تستغل المعارضة كأداة ضغط على دمشق، فطريق المصالحة مع سوريا يتطلب انتهاء دور المعارضة.
ستحقق استراتيجية تركيا الجديدة فرصة التخفيف من الأعباء المالية، نتاجاً لدعمها لمختلف فصائل المعارضة والميليشيات المسلحة في سوريا، في ظل توقيت مهم يعاني فيه العالم تداعياتٍ اقتصادية كبيرة، وخصوصاً أن هذه الجماعات باتت تشكل عبئاً سياسياً على تركيا، بسبب انخراطها في صراعات داخلية ما سيعني انتهاء دور هذه الجماعات المسلحة، التي ستفقد دورها الرئيسي في محاربة الجيش السوري.
من خلال مراقبتي للمشهد السوري في الآونة الأخيرة، أعتقد أن نجاح التقارب التركي- السوري مقترن بنهاية وجود الفصائل المعارضة والميليشيات المسلحة. ولا شك أن هذا التغيير الجذري سيتوافق كذلك مع التحول الكبير في سياسة تركيا مع دول المنطقة العربية المحورية، فتصفير المشاكل والتركيز على التعاون والتنمية، سينهي التوترات وسيخدم الأمن والاستقرار.
* إعلامية وكاتبة بحرينية