يبدو المشهد غريباً من الناحية القانونية، ولكنه مفهومُ سياسياً. ترامب ضد الإدارة الأميركية. هذا هو عنوان دعوى قضائية رفعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبل أيامٍ ضد إدارة الرئيس الحالي جو بايدن بشأن تفتيش قوة تابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف.بي.آي) منزله في فلوريدا، ومصادرة وثائق قيل إنها سرية.
وجه الغرابة في المشهد أن من رفع الدعوى ضد الإدارة الحالية هو رأس الإدارة السابقة. كما أنه يطمح للعودة إلى البيت الأبيض على رأس الإدارة المقبلة عقب الانتخابات الرئاسية في 2024. وهذا ما يجعل مسألة تفتيش منزله ومصادرة وثائق منه مفهومةً سياسياً. فالبُعد السياسي غالبُ فيها برغم أنها تُدار بأدوات قانونية. فالمذكرة التي فُتش منزل ترامب بموجبها أُصدرت بشكل قانوني. والدعوى التي أقامها ترامب هي بطابعها إجراء قانوني-قضائي، ولكن محتواها سياسي حيث تُركز على اتهام إدارة بايدن بمحاولة إضعاف تأثير المُدعي في انتخابات التجديد النصفي في مطلع نوفمبر المقبل، عن طريق الإساءة إلى صورته، وبالتالي تقليل فرصته في الترشح للانتخابات الرئاسية التي يتطلع للعودة إلى البيت الأبيض عن طريق الفوز بها.
ولكن ما العلاقة بين دور ترامب في انتخابات التجديد النصفي وفرصته في الترشح للانتخابات الرئاسية؟ سؤال منطقي يثيره الربط بينهما في الدعوى التي أقامها، وطالب فيها بتعيين وسيط قضائي لفحص الوثائق والمواد التي صودرت من منزله.
وجواب هذا السؤال أن العلاقة بين انتخابات 2022 و2024 تكمن في النجاح الذي حققه ترامب في الانتخابات التمهيدية التي أُجريت داخل الحزب «الجمهوري» في الأشهر الأخيرة لاختيار مرشحيه في انتخابات التجديد النصفي. فقد فاز عدد كبير ممن دعمهم، وصاروا مرشحين يستعدون لخوض المعركة الانتخابية ضد منافسيهم من الحزب «الديمقراطي». وقد اعتُبر فوزهم في الانتخابات التمهيدية نصف نصرٍ حققه ترامب، وخاصةً أن دعمه لهم مكنهم من الفوز على معظم النواب والشيوخ «الجمهوريين» الحاليين الذين رفضوا دعم ادعائه أن انتخابات 2020 الرئاسية زُورت. غير أن هذا الإنجاز لا يكتمل إلا بفوز هؤلاء المرشحين الذين يدعمهم في انتخابات نوفمبر المقبل. فإذا لم يفوزوا، أو خسر عدد كبير منهم، يصبح نصف النصر الذي حققه كأن لم يكن.
وسيكون الاختبار الأساسي في انتخابات مجلس الشيوخ والولايات لأنها تُجرى في الولاية كلها، وليس في دوائر صغيرة مثل تلك التي يُنتخب فيها أعضاء مجلس النواب. وهذا هو المقياس الذي يدل على مدى شعبية ترامب في أوساط الناخبين بوجه عام.
ولذلك تُركَّز دعوى ترامب ضد الإدارة الحالية على توقيت تفتيش منزله، واتهامه بالاستيلاء على وثائق رسمية مملوكة للدولة، قبل 90 يوماً فقط من انتخابات التجديد النصفي التي سيكون لنتائجها أثرُ قوي في قرار الحزب «الجمهوري» بشأن مرشحه في 2024، حيث يواجه ترامب منافسةً من قادةٍ آخرين فيه مثل نائبه السابق مايك بتسي، والسيناتور تيد كروز، وحاكم فلوريدا رون دي سانتيس، وغيرهم. 

* مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية