لا شك بأن دوراً كبيراً كان ولا يزال للنفط والغاز في تنمية دولة الإمارات العربية المتحدة وفي متانة اقتصادها وتقويته. فقد أحدث اكتشافه في عدد من إماراتها نقلات قوية وتحولات جذرية في مساراتها نحو المستقبل وفي نقل مجتمعها والإنسان الذي يعيش على أرضها من ماض ساكن إلى حاضر بناء وخلاق ومستقبل مشرق. لكن النفط وحده لا يعني شيئاً في مسار أية دولة منتجة له إذا لم يتمكن أهلها من استثمار هذه الثروة استثماراً ذكياً ينقلهم من الفقر إلى الغنى ومن الرتابة إلى الديناميكية ومن الأمية إلى التعليم، فهو - أي النفط والغاز ثروة ناضبة ستنتهي يوماً وتجف آبارها. فهذا هو المآل المحتوم لها كما تدل التجربة التاريخية لعدد من الدول التي سبقت دولة الإمارات في هذا المضمار.
لذلك، فإن الإمارات، ومنذ بداية اكتشاف النفط والغاز فيها والعمل على تصديره ولجت في مسار هادف وبناء وحكيم من تنويع مصادر دخلها بعيداً عن الثروة النفطية وحدها، وكانت نتيجة ذلك التنويع هائلة ومبهرة حفظت اقتصادها من ويلات تقلبات أسعار النفط والغاز صعوداً وانتكاساً.
واليوم والعالم أجمع يشهد ركوداً اقتصادياً مخيفاً وتضخماً هائلاً في أسعار السلع والخدمات وانهياراً للعديد من المناشط الاقتصادية الكبرى نجد بأن الناتج القومي الإجمالي للإمارات وصل إلى مليارات الدراهم في منتصف عام 2022 .
ورغم أن معدلات التضخم في أسعار عدد من السلع الاستهلاكية، فإن ذلك أمر طبيعي في دولة تستورد العديد من موادها الاستهلاكية من الخارج، فهو تضخم مستورد أكثر من كونه ناشئاً عن خلل اقتصادي في السياسات الاقتصادية الداخلية. فالحالة الاقتصادية الداخلية تشهد استقراراً وسيراً طبيعياً رغم كل ما يمر بالعالم الخارجي من أزمات وحروب وتقلبات.
هذا الاستقرار يقود إلى نمو حقيقي تصاعدي نظراً للارتفاع الحاصل في سعر الصرف الأجنبي الخاص بالدرهم الإماراتي المرتبط بالدولار الأميركي في مقابل جميع العملات العالمية الرئيسية، وهو الأمر الذي يخفض الكلفة الخاصة بالواردات.
ونظراً للسياسات الاقتصادية الرصينة تمكنت دولة الإمارات لسنوات عدة حتى الآن من تجنب أية عجوزات في الميزانية، سواءً على الصعيد الاتحادي أو الصُعد المحلية لكل إمارة على حدة، وهي مستمرة بشكل جماعي في احتواء مثل تلك العجوزات الناتجة عن تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية.
إن دولة الإمارات، تسعى إلى إعطاء القطاع الخاص جل اهتمامها وإيلاءه أدوراً أكبر في عجلة ومسيرة الاقتصاد الوطني ويتجلى ذلك في ما تقوم به الدولة من تشجيع للقطاع الخاص المواطن والوافد لكي يلعب دوراً مهماً في التنمية الوطنية الشاملة، وذلك في إطار السعي نحو الابتعاد عن الاعتماد الممعن في الاعتماد على النفط والغاز كمصدر وحيد لتوليد الثروة وتمويل الميزانيات العامة اتحادياً ومحلياً.
لكن حقيقة أن استجلاب رؤوس الأموال الأجنبية بقى متواضعاً في السنوات الأخيرة، وبقيت تدفقاتها دون المستويات المأمولة رغم العديد من المزايا والتسهيلات المقدمة والبنية الاستثمارية الآمنة المتواجدة.
وربما أن جزءًا كبيراً من هذا البطء في التدفقات يعود إلى ما يمر به العالم من عدم استقرار سياسي واقتصادي وحروب مدمرة، وإلى كون رؤوس الأموال الاستثمارية ذاتها أصبحت شحيحة في عالمنا المعاصر.
وانعكاساً لأحوال العالم غير المستقرة تشهد أسواق رأس المال هي الأخرى نشاطات قلقة ونمواً سريعاً، لكن ذلك لم تظهر له نتائج سلبية مباشرة على الأوضاع الاقتصادية المهمة للبلاد.
وربما أن السبب في ذلك يعود إلى أن الجزء الأكبر من رؤوس الأموال المستخدمة في التنمية الاقتصادية للبلاد هي رؤوس أموال محلية عامة تضخها الدولة في الاقتصاد والسوق المحلي ما يجعله بعيداً عن ما يحدث على النطاق العالمي.
وفي المجمل أن دولة الإمارات لا بد لها وأن تواجه اقتصاداً وبيئة عالمية تتسم بالمنافسة المتزايدة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي.
وهذه المنافسة سترتفع درجة حرارتها إذا ما استمرت أسعار النفط والغاز في تقلباتها، وإذا لم تستطع الاقتصادات الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا وشرق وجنوب شرق آسيا استعادة تماسكها ومعدلات نموها وتخلصها من الكساد والتضخم الحاصل فيها حالياً.
إن العالم يتغير ويتقلب في كل لحظة، ونحن في الإمارات جزء من هذا العالم وعلينا أن نجهز ذاتنا لمواجهة كل طارئ جديد.
* كاتب إماراتي