تعتبر القرصنة الإلكترونية واحدة من العمليات الخطيرة والمعقدة التي تضرب لها البلدان ألف حسبان، وهي تقوم على استعمال تقنيات متطورة للتسلل إلى أنظمة الحواسيب بطريقة غير قانونية، والقيام بهجمات عاتية، إما لتغيير البيانات أو سرقتها أو إتلافها، أو إيقاف تسيير منشآت عمومية أو خاصة، إلى غير ذلك...
وكثيراً ما تعطي لنا أفلام هوليود صوراً نمطية عن قراصنة الإنترنت، إذ تضعهم في غرف مظلمة يرتدون نوعاً محدداً من السترات وهم يحاولون تنفيذ عملياتهم في جوف الليل. ومن شأن هذه الهجمات الإلكترونية أن تتعدى حدة الحرب الكلاسيكية، ويمكنها أن تسبب في وقوع ضحايا وخسائر جسيمة جسدت في الجزء الرابع من سلسلة أفلام داي هاردDie Hard 4 أو كما عُرف في شمال أميركا Live free or Die Hard حيث نرى الشرطي جون ماكلين (بروس ويليس) في حرب ضروس مع نوع جديد من الهجوم الإلكتروني الذي يبدأ بتعطيل إشارات المرور، مما يسبب زحمة خانقة قبل مهاجمة شبكة الأنظمة التي تتحكم في البنى التحتية للولايات المتحدة الأميركية، ليضع الهجوم البلاد في حالة شلل تام لا يسلم منه أحد.
والهجمات الإلكترونية تدخل في إطار الجيل الخامس من الحروب، وهي حروب هجينة تجمع بين مكونات الحروب التقليدية وغير التقليدية.... فالمحددات الحالية لنوعية الحروب بدأت تتغير جذرياً عما ألفناه وعما نظر له كبار الاستراتيجيين التقليديين أو الكلاسيكيين للحروب، كالصيني القديم «صن تزو» أو الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيت الذي يشبه الحرب بمبارزة على أوسع نطاق ويقارنها بصراع بين اثنين... فاليوم، من شأن الهجمات الإلكترونية أن تتعدى ويلات الحرب الكلاسيكية، وذلك بتغيير المسار السياسي للعديد من الدول الديمقراطية الكبرى عن طريق الاستحواذ على بيانات المرشحين الكبار وفضحهم أمام الملأ، وإحداث ضربات موجعة للبنى التحتية في البلدان وإحداث شلل عام فيها وسرقة مكونات العديد من الصناعات العسكرية والاستراتيجية وغير ذلك. 
فلا جرم أن يصبح أمن الإنترنت من الخصائص المباشرة لعمل أجهزة الأمن القومي ومصالح الجيش ووزارات الدفاع في جل البلدان التي تضع خططاً واستراتيجيات لحماية أمن شبكاتها الإلكترونية ومن ثم أمنها الداخلي.. ونتذكر عندما قام القضاء الأميركي بمحاكمة خمسة جنود صينيين بسبب القرصنة الإلكترونية والتجسس الاقتصادي..والجنود كما جاء في بعض التقارير الاستراتيجية الأميركية هم أعضاء في وحدة مسماة «بالوحدة 61398 للجهاز الثالث لجيش التحرير الوطني».
هؤلاء الجنود الخمسة اتهموا على أنهم من سنة 2006 إلى سنة 2014 قاموا بسرقة أسرار تجارية لشركات أميركية عملاقة تعمل في مجال الطاقة النووية والمتجددة وغيرها، كما أن الخروج العلني لكبار المسؤولين الأميركيين وتدخل القضاء الأميركي دليل على التذمر الكبير والخطر الواضح لحرب جديدة لم تعهدها البشرية من قبل.
* أكاديمي مغربي