استطاعت «ليز تراس» حسم صراع مرشحين حزب «المحافظين»، لتصل إلى بوابة 10 داونينغ ستريت، زعيمة جديدة للحزب الحاكم ورئيسة للوزراء، لتصبح ثالث امرأة تترأس الحكومة البريطانية بعد مارغريت تاتشر 1979-1990، وتيريزا ماي 2016-2019، بعد فوز تراس في 57% من الأصوات مقابل 43% لمنافسها ريشي سوناك.
تحدثت الصحافة البريطانية في وصفها لتراس، أنها تقلد السياسية الراحلة مارجريت تاتشر، وذلك من خلال ملابسها ومظهرها الخارجي، وحديثها عن بعض الملفات التي اشتهرت تاتشر بتناولها، وهو أمر أنكرته تراس ووصفته «بالمحبط»، ولكن اعتقد برأيي أنه أمر جميل، وليس عيباً على الإطلاق، فالراحلة تاتشر قدوة ونموذج يُحتذى به، كما أعتقد أن «تراس» متأثرة فعلياً بتاتشر، والدليل أنها في سن السابعة لعبت دور رئيسة الوزراء تاتشر في مسرحية مدرسية عام 1983، وبعد 39 عاماً أصبحت تراس رئيسة للوزراء. 
لقبت «تراس» بالمرأة الحديدية، ولعل ذلك لأنها تعتبر ثاني امرأة تتولى حقيبة الخارجية، وسبق لها تولي أربع حقائب وزارية. ولذلك، فهي قادرة على التعامل مع الملفات الصعبة، مع تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم السنوي فوق 10% وقد يصل إلى 13% بحسب بنك إنجلترا، أو 18% بحسب تقدير «سيتي غروب»، ما قد يفسر ركود الاقتصاد البريطاني الراهن، ونزوله إلى المرتبة السادسة عالمياً لتحل الهند في المركز الخامس.
تمر بريطانيا بتحديات هائلة بسبب الدواعي السياسية والاقتصادية، فمن جانب الجنيه الإسترليني يمر بأسوأ انخفاض له منذ استفتاء بريكست، فضلاً عن تبعات الأزمة الأوكرانية التي سببت نقصاً في إمدادات الطاقة للدول الغربية، التي بدورها شاركت بفرض عقوبات على روسيا، ما سبب أزمة ارتفاع أسعار الوقود والغذاء والمعيشة، وإضراب آلاف العاملين في قطاعات الموانئ والقطارات والبريد.
من الضروري أن تسارع «تراس» في وضع خطة عاجلة للتعامل مع ملف إمدادات الطاقة وتداعياته من ارتفاع للأسعار، وإجراءات عاجلة للنمو الاقتصادي لإخراج بريطانيا من نفق الركود الاقتصادي، وإعادة بلادها إلى المسار الطبيعي، مع ضرورة التزام «تراس» بوعودها حول خفض الضرائب وعدم فرض ضرائب جديدة، ما يعني تعليق «الضريبة الخضراء» وهي جزء من فاتورة الطاقة للمشاريع الخضراء.
وعلى الصعيد السياسي أمام «تراس» مهمة التعامل مع الاتحاد الأوروبي وتحديدا ترتيبات التجارة، وستسعى لاستقلالية بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، تحديدا في تحالفاتها السياسية والاقتصادية مع قوى كبرى مثل الصين والهند، وستعمل على تحسين صورة مكانة بريطانيا في الوقت الراهن، خصوصاً في استقلاليتها السياسية والاقتصادية، والتأكيد على أن السياسة البريطانية غير مرتبطة بقوى أخرى، وهو أمر صعب المنال في ظل وجود تحالف وثيق ما بين أوروبا والولايات المتحدة، وهناك اختبار العلاقة مع إدارة بايدن التي كانت في عهد جونسون في أفضل حالاتها، خصوصا تنسيق البلدين حول الأزمة الأوكرانية. فهل تبقى تراس على منهج جونسون؟ أم ستكون علاقة لندن وواشنطن متوازنة بحسب مصالح بريطانيا؟
* إعلامية وكاتبة بحرينية