«الجمهوريون» غاضبون - أو ربما يتظاهرون بالغضب فقط - لأن الرئيس جو بايدن حذّر في خطاباته الأخيرة من أن «جمهوريي ماغا» («ماغا» اختصار لعبارة «اجعلوا أميركا عظيمة من جديد»، شعار دونالد ترامب الانتخابي في 2016) يمثّلون تهديداً للديمقراطية، واصفاً الفلسفة التي تغذّي الترامبية بـ«شبه الفاشية». 

غير أن الموضوع لا ينطوي على أي فضيحة. فكل ما هناك أن بايدن كان يسمي الأشياء بمسمياتها. بل إنني كنت سأفضل لو أنه كان أكثر تحديداً ولم يسعَ جاهداً إلى مراوغة تهمة التعميم وإطلاق أحكام عامة من دون تمييز. 

بايدن استخدم مصطلح «شبه الفاشية» قبل أسبوعين، في حفل ديمقراطي لجمع التبرعات في ميريلاند، قائلاً: «إن الأمر لا يتعلق بترامب فقط، وإنما بكامل الفلسفة التي تدعم الـ -- سأقول شيئاً، إنها أشبه بـ«شبه فاشية».
فسارع «الجمهوريون» إلى مطالبته باعتذار عن إهانة نصف الناخبين. والحال أن أولئك «الجمهوريين» الذين صوّتوا لدونالد ترامب يستحقون أن يشار إليهم بالاسم بسبب أعمالهم. وترامب أظهر باستمرار ميولات فاشية، وتبنى العنصرية وكراهية النساء والقومية البيضاء. والجمهوريون دعموه ودافعوا عنه وصوّتوا له. وقد سعوا سعياً إلى استدعاء هذا التنديد. 

غير أنه منذ الضجة الأولى التي أثارتها تصريحاته حول الفاشية، ألح بايدن على التراجع عنها، عاقداً العزم على ما يبدو على تمييز «الجمهوريين الأكثر لطفاً عن بقية حزبهم؛ إذ قال في تجمع في ميريلاند، بعيد فعالية جمع التبرعات:«إنني أحترم كل الجمهوريين المحافظين، ولكنني لا أحترم جمهوريي «ماغا» أولئك.

شخصياً، أجد صعوبة كبيرة في التمييز بين الاثنين. ففي 2020، دعم 92% من المستقلين الجمهوريين وذوي الميولات الجمهورية ترامب. ووفقاً لاستطلاع للرأي لجامعة كوينيبياك نشرت نتائجه الأسبوع الماضي، فإن 73% من الجمهوريين ما زال لديهم رأي إيجابي عنه، و72% منهم يريدونه أن يترشح لإعادة الانتخاب في 2024. 

والواقع أن أغلبية «الجمهوريين» الساحقة تدعم ترامب. وعدد المحافظين المحترمين صغير ومحدود، وهذا على افتراض أنه يمكن تعريفهم باعتبارهم أولئك الذين لن يصوّتوا لترامب. غير أنه من الواضح أن بادين حسّاس تجاه الانتقادات. ففي الخطاب الذي ألقاه في فيلادلفيا يوم الخميس، عاد بايدن إلى فكرة أن «جمهوريي ماغا» يمثّلون تطرفاً يهدِّد أسس جمهوريتنا. ولكنه سعى جاهداً إلى فصلهم وتمييزهم عن «الجمهوريين» الآخرين، قائلاً: (ليس كل الجمهوريين، بل ولا حتى أغلبية الجمهوريين، ينتمون إلى «ماغا»، وليس كل الجمهوريين يتبنون إيديولوجيا متطرفة). غير أنه شدّد على أنه (ما من شك في أن الحزب الجمهوري اليوم بات يخضع لهيمنة دونالد ترامب وجمهوريي «ماغا» وقيادتهم وترهيبهم). واللافت أن بايدن كان قلقاً، بينما لم يكن هناك سبب يدعو لذلك. وعندما قال إن حتى أغلبية «الجمهوريين» ليسوا من جمهوريي «ماغا»، خلق نوعاً من التشويش والإرباك. ولكن من هم جمهوريو «ماغا» بالنسبة لبايدن؟
يوم الجمعة، تراجع بايدن عن تعليقاته أكثر، إذ قال للصحافيين: «إنني لا أعتبر أي داعم لترامب تهديداً للبلاد». ثم تابع يقول:«ولكنني أعتقد أن أي شخص يدعو لاستخدام العنف، ولا يندد بالعنف عندما يستخدم، ويرفض الاعتراف بفوز بالانتخابات، ويلح على تغيير الطريقة التي نحكم بها ونحصي بها الأصوات.. هو تهديد للديمقراطية». 

والحال أن جزءاً مهماً من الناخبين «الجمهوريين» فعلوا بالضبط الأشياء التي يحاول بايدن إعفاءهم منها. فقد وجد استطلاع للرأي لـ«المعهد العام لبحوث الدين» نشر في نوفمبر أن قرابة ثلث «الجمهوريين يتفقون مع مقولة «لأن الأمور حادت جداً عن سكتها، قد يضطر الوطنيون الأميركيون الحقيقيون إلى اللجوء للعنف من أجل إنقاذ بلدنا». 

وعلاوة على ذلك، وجد تقرير لـ«فايف ثرتي إيت» في يوليو الماضي أنه «في منتصف الموسم الرئيسي، نستطيع القول إن 120 منكراً للانتخابات على الأقل فازوا بترشيح حزبهم وسيكونون على بطاقة الاقتراع في انتخابات الخريف». إذ منح الناخبون الجمهوريون أولئك المرشحين انتصارات في مرحلة الانتخابات التمهيدية. 

والواقع أن «الجمهوريين» بارعون في إقناع «الديمقراطيين» بالتراجع عن تصريحاتهم السابقة. إنها الاستراتيجية نفسها التي استخدموها ضد باراك أوباما بعد أن قال إن بعض الأميركيين «يشعرون بالمرارة» و«يتشبثون»، بالأسلحة أو الدين أو مشاعر قبيحة تجاه أشخاص لا يشبهونهم أو شعور مناوئ للمهاجرين أو شعور معادٍ للتجارة كطريقة لشرح خيباتهم وإحباطاتهم.
وقد كان محقاً تماماً، ولكن قول الحقيقة في السياسة يمكن أن يكون خطيئة. 

وكانت الاستراتيجية نفسها التي استخدمها «الجمهوريون» ضد هيلاري كلينتون بعد أن قالت: «يمكنك وضع نصف أنصار ترامب ضمن ما أسميه سلة السيئين. أليس كذلك؟ العنصري، والمميز ضد المرأة، والمعادي للأجانب، والمعادي للإسلام... إلى آخره. ولسوء الحظ، هناك أشخاص مثل من هذا النوع. وقد شجّعهم هو وجعلهم أكثر ثقة». 

كلينتون كانت محقة بكل تأكيد. بل ربما تكون أدلت برقم أقل مما هو موجود في الواقع. 

وخلاصة القول، إن على «الديمقراطيين» الكف عن الانخداع بما يقال من أن تعداد المخاطر التي يشكّلها بعض الناخبين بالنسبة للبلاد هو هجوم مثير للانقسام، ومهين، وغير عادل على الأبرياء. ولا شك أنه لا أحد ممن صوّتوا لترامب أو يدعمونه الآن أكبر وأعلى شأناً من أن يشار إليهم بالاسم ويُفضحوا. 

والأكيد أن بايدن ليس مديناً للجمهوريين باعتذار، وإنما هم من يدينون للبلاد باعتذار. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»