يقترب مجلس التعاون لدول الخليج العربية رويداً رويداً من قضاء ربع قرن من سنوات عمره بالقرن الحادي والعشرين، بالإضافة إلى السنوات التي تواجد فيها من القرن العشرين عندما تم تأسيسه في بداية الثمانينيات. وخلال تلك السنوات المديدة أدى أدواراً مهمة في تعزيز التعاون البناء بين الدول المكونة له.

فبالإضافة إلى إطار العمل الخاص بالتعاون الإقليمي لدوله تواجدت مشكلات إضافية تمت مواجهتها بسهولة، لأنه لا توجد اختلافات ترتبط بالنظرة الأيديولوجية والتراث السياسي والبنى الاجتماعية الأساسية أو الاختلافات اللغوية.

دول المجلس لا تواجه مشكلات جوهرية تتعلّق بتعدد مكوناتها الاجتماعي من حيث اللغة والدين والجوانب الأخرى التي يمكن أن تشكل عناصر فرقة بين الشعوب، فالمجلس متجانس والدول المكونة له أكثر تجانساً وألفة ووئاماً. في هذه المرحلة التي أصبحت فيها دولة المجلس قادرة على مواجهة تحديات تمر بها نتيجة لعدم الاستقرار العالمي القائم في عالم اليوم من تقلبات أسعار النفط والحروب القائمة بعدد من دول المنطقة العربية وجوارها الجغرافي وتدهور اقتصادي في عدد من أجزاء العالم المهمة كالولايات المتحدة وأوروبا وشرق وجنوب شرق آسيا، والحرب في أوكرانيا وعلاقة روسيا بدول الغرب، وهذه القدرة نابعة من تماسك الدول الأعضاء ومواجهة تداعيات مشاكل العالم القائمة عليها بشكل جماعي وشبه موحد.

فهذه الدول تعمل بشكل دؤوب على التنسيق فيما بينها لكي تتعامل مع عدد من القضايا المهمة التي تواجهها من زاوية خلق التناغم بين مصالحهم الوطنية ومصالح العالم الخارجي، وذلك باستخدام أقصى درجات الحذر والحكمة ووفقاً لطبيعة وخطورة كل مشكلة يواجهونها، خاصة الملفات الخطيرة كملف إيران النووي، ونقص الغذاء العالمي، والحرب في أوكرانيا، وموازنة العلاقات مع كافة الدول العظمى والكبرى القائمة في عالم اليوم.

وعلى كل صعيد من هذه الأصعدة تمكنت دول المجلس مجتمعة من التماهي مع تفاصيل كل مشكلة وفقاً لضرورات ومتطلبات مصالحها الوطنية العليا، فهي قادرة حتى الآن من التعامل مع التقلبات الهائلة في أسعار النفط، ومع موقف الولايات المتحدة الأميركية من أمن الخليج العربي، ومع تقلبات الملف النووي الإيراني والشد والجذب الشديد الحاصل على صعيده، ومع المشاكل الحاصلة على صعيد نقص الغذاء في عالم اليوم بسبب الحروب والجفاف وقيام بعض دول العالم المنتجة للغذاء بمنع تصدير بعض المواد الغذائية إلى خارج حدودها، خاصة الحبوب وبعض منتجات اللحوم، إلى غير ذلك من مشاكل يصعب سردها جميعاً.

إن هذه القدرة على مواجهة المشاكل الخارجية جعلت من دول المجلس الست ذات علاقات مستقرة ومثمرة مع جميع دول العالم تقريباً، خاصة دول الإقليمين الخليجي والعربي، وهذا بدوره ينعكس في خلق استقرار أمني واقتصادي واجتماعي وسياسي في دول المجلس كل على حدة وعلى صعيد المجلس كمنظمة إقليمية قائمة تعمل على التعاون فيما بين دولها.

ويرتبط بذلك أن الاستقرار بكافة أبعاده يقود إلى التنمية الشاملة المستدامة، وهذا ما هو حاصل الآن في جميع دول المجلس، حيث التركيز جارٍ على بناء الإنسان أولاً وتأهيله تأهيلاً شاملاً عن طريق الاستثمار بقدر كبير في رعايته صحياً وفي تعليمه وتدريبه كي يصبح قادراً على حمل مسؤولياته الوطنية والاستفادة منه، واستفادته هو ذاته من الفرص الكثيرة التي توفرها له دولته وحكومته في كل دولة من الدول الأعضاء في المجلس. وفي إطار خدمة المواطن في دول المجلس سعت الدول مجتمعه إلى سن وتوحيد الكثير من القوانين والإجراءات الحكومية لكي يُستفاد منها بشكل جماعي في كل دولة ومعاملة الإنسان على أنه مواطن أينما حل وارتحل في الدول الست كالتعليم والعلاج والإقامة وإجراءات التقاعد.

وهذه ميزات يحصل عليها قليل من البشر أثناء تنقلهم ما بين الدول. وعلى الصعيد الاقتصادي تعتبر الاتفاقية الاقتصادية بين الدول الست إطار العمل الذي يمكن من خلاله خلق السوق الخليجية المشتركة، والقيام بتنفيذها سيؤدي حتماً إلى تسريع الإدراك الحقيقي لأهمية السوق المشتركة في مسار التعاون الخليجي.

د. عبدالله جمعة الحاج*

* كاتب إماراتي