صدقت التوقعات الخاصة بتدخل مجموعة «أوبك+» في حالة انحفاض أسعار النفط، فبعيداً عن الضغوط التي تتعرض لها، اتخذت دول المجموعة في اجتماعها الدوري لشهر سبتمبر الجاري قراراً بتخفيض أنتاجها بمقدار 100 ألف برميل يومياً، معلنةً أنها ستعاود النظر في مستوى إنتاج المنظمة خلال اجتماعها في شهر أكتوبر القادم، وهو ما يعني ضمناً أنها مستعدة للقيام بالمزيد من التخفيضات إذا ما شهدت أسعار النفط تراجعات جديدة خلال الشهر الجاري.
ومع أن الأسعار انخفضت بشدة بعد الإعلان عن قرار المجموعة بداية الأسبوع الماضي، ليقترب سعر البرميل من 88 دولاراً بنسبة انخفاض بلغت 10%، نتيجةً للتوقعات الخاصة بأداء الاقتصاد العالمي وإمكانية تعرضه لمزيد من التباطؤ. إلا أن مثل هذه التوقعات يبدو مبالَغاً فيها، وقد استُغِلَّت لخلق تصورات غير واقعية، مما أدى إلى معاودة الأسعار لمسارها التصاعدي ليتجاوز السعر 95 دولاراً للبرميل الأسبوع الحالي، حيث ساهم في ذلك إعلان الولايات المتحدة القيامَ بالمزيد من السحب من الاحتياطي الاستراتيجي في شهر أكتوبر، علماً بأن السحوبات الكبيرة السابقة لم تساهم في انخفاض الأسعار، كما كان متوقعاً، وهو ما تمت الإشارة إليه في حينه، وذلك لأسباب فنية تتعلق بأساسيات السوق.
والحقيقة أن أسواق النفط تتأثر ليس بمستويات العرض والطلب فحسب، فهي في هذا الجانب متوازنة وليس هناك نقص في الإمدادات، وإنما تعاني من خلل هيكلي يتعلق بمخرجات التكرير ونوعيات الطلب على هذه المخرجات، وبالأخص في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فمصانع التكرير غير قادرة على تلبية الاحتياجات الفعلية للسوق رغم توفر النفط الخام، مما يعني أنَّ معالجةَ أوضاع أسواق النفط لا بد أن تبدأ بمعالجة الاختلالات الهيكلية وليس بإلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك.
وفي هذا الجانب هناك إجراءات متواضعة يتم اتخاذها من قبل الدول المستهلكة لا تساهم بصورة فعالة في معالجة أزمة الطاقة لدى الغرب، مع العلم بأن بعض دول «أوبك+» زادت مؤخراً من صادراتها من منتجات النفط المكررة لدول الاتحاد الأوروبي والتي يبدو أنها استعجلت في إغلاق بعض مصانع التكرير في السنوات القليلة الماضية.
تجاوب دول «أوبك+» لزيادة إمداداتها من المنتجات النفطية لأوروبا، يبين بوضوح نيتها للمساهمة في حل أزمة الطاقة. إلا أن ذلك يتطلب تعاونَ دول الاتحاد الأوروبي وتعاملَها مع متطلبات السوق بصورة مهنية، فبنيتها التحتية للنفط والغاز على سبيل المثال غير مهيئة تماماً حتى الآن لاستقبال الواردات القادمة من خارج القارة الأوروبية، وبالأخص وارداتها من الغاز الطبيعي، وهي بحاجة لعدة سنوات لتحقيق التوازن المطلوب بين وارداتها من داخل القارة الأوروبية ومن خارجها.
أما بشأن المستقبل القريب لأسعار النفط، وهو ما يعني دول «أوبك+» أساساً، فيبدو أن «قبانها» لتوازن أسواق النفط سيظل فاعلاً ومهماً لبقاء الأسعار عند معدلات عادلة، فإذا بقيت الأسعار عند مستويات تتراوح بين 90 و100 دولار للبرميل، فمن غير المتوقع أن تتخذ دول المجموعة قراراً إضافياً بخفض الإنتاج في اجتماعها الدوري الشهر القادم. أما إذا تدنَّت الأسعار عن هذا المعدل، فستكون المنظمة على استعداد تام للقيام بخفض جديد، خصوصاً وأنها تدرك الحرب الإعلامية الخاصة بتسريبات بعض الأخبار الرامية إلى التأثير في الأسعار وجرها للانخفاض.
ويشير كل ذلك إلى التغير الهيكلي الذي تم في العلاقة بين الدول المنتجة والمستهلكة منذ تأسيس «أوبك+» والتي منحت المجموعةَ قوةً أضافيةً كبيرةً. في السابق تم التعامل بدونية مع منظمة «أوبك»، فبعد الارتفاع الكبير أثناء صدمة النفط الأولى منتصف السبعينيات، تغيرت موازين القوى كثيراً بين الدول المنتجة والمستهلكة. التعامل بالأساليب القديمة لم يعد ممكناً، مما يتطلب تغييرَ طبيعة التعاون بين المجموعتين للحصول على سعر عادل لبرميل النفط من جهة، ولتجنب الأزمات في البلدان المستهلكة من جهة أخرى، وهو ما سيخدم مصالحَ الطرفين والاقتصاد العالمي ككل.


*خبير ومستشار اقتصادي