في وسط الغابة بجنوب فنزويلا، هناك حفرة بعرض 60 قدماً تنضح بمياه بنية ملوثة. تتراكم الأرض الرملية حول محيط منجم الذهب المهجور غير الرسمي، وهي مشكلة دائمة في هذه الأرض التي كانت في يوم من الأيام برية.
تمتلئ ولاية بوليفار الفنزويلية بالتنوع البيولوجي، والشلالات الخلابة، والغابات، والجبال مستوية السطح. لكن نشاط التعدين الذي يمكنه تلويث وتدمير مساحات شاسعة من الأراضي أصبح مصدراً مهماً للدخل بالنسبة لنحو 200 من مجتمعات السكان الأصليين التي تعيش هنا، خاصة منذ تسارع انهيار صناعة النفط في فنزويلا عام 2014. وأدت جائحة «كوفيد-19» إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الخطير بالفعل، عندما تلاشت بعض الأنشطة السياحية والخدمات الاجتماعية الحكومية.
وبينما كشف الاقتصاد الفنزويلي المداخيل الضعيفة وأنظمة الدعم الاجتماعي الواهنة في السنوات الأخيرة، تحولت مناطق مجتمعات السكان الأصليين بشكل متزايد إلى مناجم للتنقيب عن الذهب. لكن نظراً لأن الدولة الفنزويلية ترفض تحمل مسؤولية حماية تلك الأراضي أو الأشخاص الذين يعيشون عليها، فإن الكثيرين يرون أن التعدين هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق في الوقت الحالي، على الرغم من أنه يتعارض مع مبادئ أكبر مثل الاستدامة البيئية.
يقول رجل من السكان الأصليين، وهو مسؤول عن مجتمع التعدين الواقع على هضبة «جيانا شيلد» (أو درع جيانا) التي تمتد إلى البرازيل وجيانا: «نحن نعلم أن ما نقوم به ليس جيداً». وأضاف قائلاً، بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة غير القانونية لعمله، إن تعدين الذهب «يخلق كل أنواع الدمار بالنسبة للنظام البيئي، والماء، وكل شيء». لكنه يقول إن هذا هو كل ما يمتلكه هذا المجتمع: «لا نرى أي بديل. لذلك نستمر في التعدين.. لإعالة أُسرنا».
في جميع أنحاء ولاية بوليفار، يعمل قادة المجتمع والأفراد والأسر على تحديد طرق البقاء والازدهار، دون التنقيب عن المعادن الثمينة. وبالنسبة للبعض، يعني ذلك إيجاد طرق إبداعية لتوليد السياحة في بلد منكوب بالأزمات ولديه عدد قليل من السائحين. وبالنسبة للآخرين، فهذا يعني الميل إلى التعليم المجتمعي والعودة إلى ممارسات مثل زراعة الكسافا أو الأناناس والموز من أجل الكفاف. وعلى الرغم من التدافع على البدائل، بالنسبة للكثيرين، لا ينبغي أن تقع مسؤولية الاختيار بين إطعام الأطفال وحماية أرض الأجداد بشكل كبير على أكتاف المواطنين.
يقول أرماندو أوبدولا، مدير منظمة «كابي كابي» لحقوق السكان الأصليين، ومقرها مدينة سيوداد بوليفار الجنوبية الشرقية: «إنها مسؤولية الدولة أكثر من مسؤولية السكان الأصليين»، فالحكومة «لا تضمن سلامة أراضي السكان الأصليين، ولا الامتثال للقانون عندما تسمح بالتعدين في المناطق التي يكون فيها هذا النشاط محظوراً».
لقد فرَّ أكثر من 6 ملايين فنزويلي من البلاد خلال العقد الماضي بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية المتزامنة. وعلى مدى سنوات، وصل معدل التضخم السنوي إلى ثلاثة أرقام، كما أدى نقص المنتجات الغذائية الأساسية والإمدادات الطبية إلى جعل المجتمعات جائعة وضعيفة. ومن ناحية أخرى، شددت الحكومة على حرية التعبير والحريات المدنية الأخرى، وربطت الدعم المتبقي، مثل سلال الطعام، بالموافقة العامة للإدارة. وسط هذه الصعوبات، اختار بعض الفنزويليين الهجرةَ داخلياً، قادمين إلى المناجم بحثاً عن فرصة.
تقول واحدة من قائدات السكان الأصليين إنها تشعر بأنها منجذبة في اتجاهات متعارضة بشأن الجدل حول التعدين. على الرغم من أنها مدافعة صريحة عن إنهاء هذه الممارسة، إلا أن شريكَها جعلها مهنةً له. وبالنسبة لها، فالأمر يتعلق بمياه الشرب الملوثة بسبب المواد الكيميائية السامة المستخدمة في استخراج الذهب، وبظروف العمل السيئة التي يكدح فيها الجيران غير المدربين لساعات طويلة باستخدام أدوات خطرة، مثل نفاثات المياه عالية الضغط. وتقول إنها شهدت الكثير من المآسي، مثل الانهيارات الأرضية التي تسببت في اختناق العمال. لقد أمضت نحو خمس سنوات في القتال لإبعاد الناس عن المناجم، وتشجيع أفراد المجتمع على إيجاد مصادر بديلة للدخل مثل الزراعة. كانت تقول: «لنفعل شيئاً آخر مثل فتح متجر أو احتراف الزراعة أو الصيد»، معترفةً بأن جزءاً من التحدي يكمن في الافتقار إلى البدائل في المقام الأول. لكن نشاطها لم يكن كافياً للتأثير حتى على أسرتها. فقد نشأ شريكها وهو يراقب والديه ويواجه صعوبةً في تخيل أي شيء آخر. تقول عن جهودها لإقناعه بالعثور على أي عمل آخر: «لا يمكنني أن أكون راديكالية حيال ذلك، لأننا حينها سنصطدم». كانت تحاول أن تميل إلى تراثهم الأصلي المشترك، وقالت له: «نحن ندمر طبيعة جميلة جداً، إنها أرضنا». وتقول إنه لا يختلف معها في هذا الرأي. ورغم أنه حريص على رؤية حملتها «من أجل التغيير» تنجح، وهو ويفكر في بدائل مثل بناء البنية التحتية.. إلا أنه لا يزال يتجه إلى المناجم بنفسه، متحمساً للمساعدة في إطعام الأسرة.
في أواخر السبعينيات، كانت فنزويلا واحدةً من أوائل دول أميركا اللاتينية التي أنشأت وزارة البيئة، وسن قوانين شاملة لحماية الأرض والسكان الأصليين. لكن ابتداءً من عام 2011، فرضت حكومتها رقابة على البيانات البيئية والعلمية. وفي عام 2014، ألغت وزارة البيئة وأطلقت في العام التالي وزارة الاشتراكية البيئية. وفي عام 2016، تم إنشاء وزارة تطوير التعدين البيئي. 

ويقول مراقبون إن تلك الخطوات ساعدت في تكثيف وتبرير أنشطة التعدين في الجنوب.

وفي عام 2016، قام الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، بحثاً عن مصادر دخل بديلة في خضم أزمة اقتصادية متنامية، بتخصيص منطقة أكبر من حجم كوبا للتطوير الاستراتيجي للذهب والمعادن الثمينة الأخرى. وأضْفت هذه الخطوة طابعَ الشرعية على أنشطة التعدين، والتي توسعت بسرعة. وفي الوقت نفسه، استمر التعدين الحرفي، باستخدام طرق بدائية لاستخراج ومعالجة المعادن والفلزات، وعمليات التعدين على نطاق واسع خارج المنطقة المحددة، ووصل إلى مناطق كانت محمية، ولو على الورق فقط، من مثل هذا النشاط.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحديد البدائل، يقول الكثيرون هنا إن المطلوب في هذه المرحلة هو التدخل الخارجي، سواء لخلق فرص عمل رسمية أو عبر التحويلات النقدية. والخيار الأخير هو الأكثر إثارة للجدل. يقول أحد عمال المناجم: «إذا قدمت لنا الحكومة شيئاً أفضلَ، فسنقبله بكل سرور».
على بعد أكثر من 160 ميلاً في الجزء الغربي من منتزه كانايما الوطني، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، يبدو الوضع مختلفاً بعض الشيء. فقد شعر أفراد المجتمع، الذين يشكلون جزءاً من مجموعة «بيمون» الأصلية، بالضغط من المسؤوليات الشخصية للتنقيب عن الذهب وسط الأزمة الاقتصادية في فنزويلا. ولكن على عكس أجزاء أخرى من ولاية بوليفار، كان لهذه المجتمعات بدائل في الماضي، حيث عاشوا على السياحة لعقود.

مي هوجريس دال
صحفية لدى «كريستيان ساينس مونيتور»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»