كان من اللافت في الأخبار قصة المودِعة اللبنانية التي قامت باقتحام بنك وهددت بالسلاح وبإشعال عبوة بنزين، بهدف الحصول على مبلغ أودعته سابقاً، حيث رفض البنك إعادة المبلغ إليها، فكان أن اقتحمته وأخذت مالَها عنوةً.

ومع أن السلاح الذي هددت به الموظفين في البنك كان «مسدس لعبة»، فإنها نجحت في مساعيها للحصول على مبلغ 20 ألف دولار قيمة الوديعة. واللافت أيضاً أن هذا المبلغ تحتاجه لعلاج أختها المصابة بمرض السرطان التي توقف علاجها لأسباب مالية. هذه الأخبار المؤسفة القادمة من لبنان تعكس تردي الأوضاع في هذا البلد، حيث إن بعض البنوك تحتفظ بأموال المودعين، وبعضهم لديهم ملايين الدولارات في تلك البنوك التي لم تعد لديها سيولة كافية لإعادة أموال المودعين بسبب الأزمة المالية.

ويقدر البعض خسائر النظام المصرفي اللبناني بمليارات الدولارات. والمودعون ليسوا فقط من لبنان بل من دول عدة، فهناك حسب بعض المصادر نحو 30 مليار دولار تخص مودعين سوريين. هذه الأوضاع تسببت في حالة هياج داخل الشارع اللبناني، خاصةً أن بعض البنوك لم تعد تسمح سوى بسحب ما قيمته 300 دولار بالليرة اللبنانية في الأسبوع.

وتعكس هذه الأخبار الواقع المؤلم في هذا البلد، يقابلها خبر آخر يتحدث عن فوز فرقة لبنانية تدعى «مياس» بلقب «أميركا غت تالنت»، وهو أشهر برنامج مواهب مخصص للمبدعين في الفنون، ويحظى بشهرة عالمية واسعة، لتتصدر أخبار هذه الفرقة الراقصة قنوات الإعلام العالمية وصفحات «السوشال ميديا»، مقدِّمةً بذلك وجهاً حضارياً للبنان الذي نعرفه ونحبه. فمع كل الأخبار السلبية القادمة من لبنان، وحده الفن قدَّمه للخارج والداخل بطريقة زاهية، فكُثُرٌ ممن لا يعرفون لبنان رغبوا بالتعرف على هذا البلد الذي خرجت منه تلك الفرقة التي تعكس فنوناً راقية تُظهِر الوجهَ المشرقَ للبلد، علَّها تمسح ما يتعرض له لبنان من محن كثيرة.

لبنان بهذا الانتصار الفني لم يخرج من عنق الزجاجة، فهناك استحقاقات مهمة تنتظره، وأخطرها استحقاق سياسي يتمثل بالتهديد بفراغين رئاسي وحكومي، إذ على صعيد الرئاسة يتعين انتخاب رئيس جمهورية تتوافق عليه القوى اللبنانية، حيث تنتهي ولاية رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون مع نهاية أكتوبر المقبل.

وفي الوقت نفسه من غير المرجح أن يتم انتخاب رئيس وزراء جديد قبل انتخاب رئيس للجمهورية. ومع نهاية ولاية الرئيس الحالي، ومن دون انتخاب رئيس جديد، ستكون حكومة تصريف الأعمال هي القائمة بمهام الرئاسة.

وفي المحصلة سيشهد لبنان أزمةً سياسيةً جديةً تطال رأس المؤسستين المهمتين في البلاد، مما يعني شللاً تاماً في عمل المؤسسات، وكنتيجة لذلك ستزيد معاناة الشعب اللبناني في خضم لعبة سياسية تقودها مصالح سياسية متعارضة. هذه ليست كل أزمات لبنان، فحتى صندوق النقد الدولي طرح مطالب محددة بهدف تقديم قرض ينقذ البلاد من مصير بات شبه محتوم، إذ على الميزانية الجديدة الوفاء بمتطلبات الصندوق حتى يساهم في إخراج لبنان من دوامته الاقتصادية، في ظل سعي البعض لرهن مصير البلد لمجموعات وأحزاب ذات ارتباطات خارجية معروفة، حتى بات بعض اللبنانيين يسعون للهروب نحو أي مصير آخر. نتمنى أن تعود أمجاد لبنان، ليس فقط في الفن، بل في كافة المجالات، ليعود كما عهدناه، فيخرج من أزماته بجهود المخلصين من أبنائه.

*كاتب إماراتي