رأيتُ مؤخراً ما يبدو عدداً متزايداً من التقارير بشأن صعوبات أوكرانيا الاقتصادية. ولا شك أنه من المعقول والمنطقي التركيز على اقتصاد البلاد أكثر الآن وقد تغيّرت الموازين على ما يبدو. غير أنه من الصعب تلافي الاشتباه في وجود دوافع خفية لهذا التركيز. فربما يحاول مؤيدو قتال أوكرانيا إحراج القوى الغربية ودفعها لتوفير مزيد من المساعدات، في حين بات «الواقعيون»، الذين أمضوا الحرب كلها في حثّ أوكرانيا على الاستسلام وخابت توقعاتهم بتلقيها هزيمة عسكرية، يتوقعون الآن انهياراً اقتصادياً. غير أن الصعوبات الاقتصادية حقيقية وجدِّية. فوفق تقديرات رسمية، فإن الناتج المحلي الإجمالي انخفض بـ37% مقارنة مع العام السابق، رغم ظهور بعض المؤشرات على التعافي. وفي الوقت نفسه، ارتفع التضخم إلى نحو 24% خلال العام السابق.

ولكن الحقيقة هي كالتالي: لقد قرأتُ الكثير من التاريخ، بما في ذلك اقتصادات الحروب القديمة. ورد فعلي على الأرقام الأوكرانية هو: أهذا كل شيء؟ حسناً، لا شك أن هذا انخفاض كبير حقاً في الناتج المحلي الإجمالي، ولكن ماذا تتوقع حينما يستولي بلدٌ غازٍ على جزء مهم من ترابك، ويحاصر موانئك، ويستخدم الصواريخ لتفجير جزء مهم من بنيتك التحتية؟ ثم إن رقم التضخم منخفض بشكل مفاجئ في الحقيقة بالنظر إلى الظروف. ذلك أن العديد من البلدان لديها تضخم أعلى من ذلك من دون أن تكون هدفاً لغزو أجنبي كبير.

وعلى سبيل المثال، تسجل تركيا حالياً 80% كمعدل تضخم سنوي. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الحروب الكبيرة عادة ما تؤدي إلى ارتفاع التضخم، مع بعض المبررات. غير أنه من الغريب، بل من غير اللائق، أن تقوم حكومة تواجه ضرورة القيام بنفقات كبيرة وإن مؤقتة  مثل تمويل العمليات العسكرية الضخمة أو التخفيف من آثار الجائحة -- بدفع ثمن تلك النفقات بشكل كامل من خلال رفع الضرائب.

لماذا من غير اللائق؟ لأن حتى شخصاً ليبرالياً على شاكلتي سيعترف بأن معدلات الضرائب المرتفعة جداً تضر بالحوافز. ولهذا، فإنه من الأفضل اقتراض بعض الأموال الضرورية وتسديد تلك التكاليف مع الوقت. ولكن تسجيل عجز كبير في الميزانية يؤدي بالفعل إلى ارتفاع الطلب الإجمالي في الاقتصاد، وخاصة إذا كان العرض يخفَّض بالتزامن مع ذلك – من خلال ضربات صاروخية روسية، على سبيل المثال. وإذا كان الاقتراض من أجل تغطية العجز صعباً – وهو غالباً كذلك في زمن الحرب – فإنه يمكن تغطية بعض الفرق أيضاً من خلال طباعة المال. وبالتالي، فإنه من العادي، بل من المقبول، رؤية تضخم مهم في زمن الحرب.

بمفردها، تبدو أوكرانيا صغيرة جداً اقتصادياً إزاء روسيا، وهو أحد الأسباب التي جعلت روسيا تبدو أكثر تفوقاً بكثير عسكرياً. ولكن الوزن الاقتصادي الإجمالي للبلدان التي تدعم أوكرانيا يجعل الاقتصاد الروسي يبدو ضعيفاً، وتخصيص ولو جزء يسير من موارد تلك البلدان لمساعدة أوكرانيا يغيّر توازن القوى بشكل كلي. وقد كان هذا واضحاً على ساحة المعركة. وهذا صحيح أيضاً على الجانب الاقتصادي، حيث تساعد القروض والمساعدات الغربية أوكرانيا على احتواء التداعيات من الكفاح العسكري.

السؤال المهم الآن هو ما إن كانت هذه المساعدات، العسكرية والمالية، ستوفَّر بالقدر الكافي لضمان بقاء أوكرانيا وانتصارها – كما يأمل البعض منا. في تقديري، كانت هناك أربع طرق يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الفوز بها: فأولاً، كان يمكن للروس أن يفوزوا في ضربة قاصمة سريعة، فيسيطروا على كييف ويسقطوا الحكومة الأوكرانية. والواقع أنهم حاولوا ذلك – وكانوا على وشك النجاح، لكن لم يتمكنوا. ثانياً، كان يمكن للروس أن يقوموا بمحاصرة دونباس على غرار ما كان يحدث إبان الحرب العالمية الثانية، حيث يقومون بتطويق جزء كبير من الجيش الأوكراني ثم يواصلون إلى كييف.

 وهذا يترك طريقاً واحداً متبقياً للانتصار الروسي، ألا وهو: تقلص الدعم الغربي، العسكري والاقتصادي. فإذا تباطأ تدفق الأسلحة، ستجد أوكرانيا نفسها من جديد صغيرة إزاء روسيا. وإذا كان تدفق المال غير كافٍ (بعض الدول الأوروبية لم تسلِّم بعد الكثير مما وعدت به)، فإن الاقتصاد الأوكراني سيسقط في أزمة.

أكاديمي أميركي

حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/09/16/opinion/ukraine-economy.html