إنه ليس خيالاً، وإنما حقيقة حقة: أجل، إن الحياة باتت أكثر ضوضاء من أي وقت مضى بالفعل. وعلى الرغم من أن أوامر لزوم البيت بسبب الجائحة جلبت بعض الهدوء واستراحة مؤقتة من الضوضاء، إلا أنه يبدو أنه من المستحيل وقف مسار العالم المعاصر: مزيد من السيارات على الطرق والطائرات في السماء، وطنين المسيَّرات، وقرقعة الأجهزة، وصخب مكاتب الفضاء المفتوح، وصرير أجهزة التلفزيون المدمجة في مضخات محطات الوقود ومقاعد سيارات الأجرة. 
تقديرات «مصلحة المتنزهات الوطنية» تشير إلى أن التلوث السمعي يزداد بمرتين إلى ثلاث مرات كل 30 سنة. وصفارات إنذار مركبات الإطفاء صارت أعلى بما يصل إلى ست مرات مما كانت عليه قبل قرن. وتقدّر منظمة الصحة العالمية أن زهاء 65% من الأوروبيين يعيشون مع مستويات ضوضاء خطيرة للصحة. 
على أن الأمر لا يقتصر على الضوضاء السمعية، بل هناك أيضاً الضوضاء المعلوماتية. فالشخص العادي في الولايات المتحدة يستهلك في كل يوم معلومات أكثر بخمس مرات مما كان يفعله قبل جيل. وقد تكهن الرئيس التنفيذي السابق لغوغل إيريك شميدت في 2010 أنه في كل يومين، نخلق من المعلومات قدر من خلقناه منذ فجر الحضارة حتى 2003. ويقول الخبراء الكبار في علم الانتباه البشري إننا لا نستطيع بكل بساطة استيعاب أي شيء قريب من المستويات الحديثة العادية للتحفيز الذهني. 
إن الضوضاء – بنوعيها الحرفي والمجازي – ليست مجرد مهيِّج، وإنما مصدر خطر على صحتنا الذهنية والجسدية. فقد أظهرت عدد من الدراسات التي أنجزت على مدى العقود الماضية أن المستويات المرتفعة من «الديسيبل» لها تأثير خطير على الإدراك، ولا سيما بين الأطفال، وتساهم في مخاطر صحية مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية والاكتئاب. وقام «مركز التكنولوجيا الإنسانية» بفهرسة أبحاث أكاديمية تُظهر أن معظم الأشخاص يتنقلون بين محتويات مختلفة على الإنترنت كل 19 ثانية، وأن الشخص العادي يقضي ساعة كاملة كل يوم في التعامل مع مقاطعات الإنترنت، وأن مستوى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في يوم معين له علاقة بزيادة كبيرة في فشل الذاكرة في اليوم التالي.
والواقع أنه لا توجد حلول سهلة بخصوص السياسات لمعالجة انتشار الضوضاء. فالفكرة السائدة للتقدم الاقتصادي، والتي تقاس بالناتج المحلي الإجمالي، تعتمد -في النهاية- على توسيع الإنتاج الصناعي والبيانات الضخمة واقتصاد الانتباه. 
لكن اليوم يهدف طيفٌ واسعٌ من الأفكار إلى تقنين شطط وتجاوزات اقتصاد الانتباه، من اشتراط الشفافية بخصوص الخوارزميات، وحظر خاصيتي التشغيل التلقائي والتصفح اللانهائي، ووضع «تحذيرات الطبيب العام» (و«الطبيب العام» مسؤول حكومي عن الصحة العامة في الولايات المتحدة) على المنتجات التي تطوّر العادات.. وصولاً إلى تدابير مكافحة الاحتكار لتفريق أكبر اللاعبين وتغيير حوافز السوق التي تدفع الشركات لتطوير تقنيات إدمانية.
وكان المرشح آندرو يانغ قد اقترح، خلال محطات الحملة الانتخابية من أجل الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لرئاسيات 2020، إنشاءَ وزارة حكومية لاقتصاد الانتباه. ولئن بدت الفكرة غريبة نوعاً ما في البداية، فإن يانغ أثار نقطة مهمة. ذلك أنه ليس هناك أي وكالة حكومية واحدة مسؤولة عن تدبير إدارة اقتصاد الانتباه، وهو موضوع متشعب يعني عشرات الوكالات وعدة وزارات فدرالية. وإذا كان معظم الناس يقضون معظم حيواتهم على الحواسيب والهواتف وأجهزة التلفزيون وأجهزة أخرى يتنافس عبرها المعلنون والباحثون عن جمع البيانات للحصول على انتباههم، فلماذا لا تكون هناك سياسة جادة مخصصة لها؟ ولماذا لا يتم تحسين الأدوات التي لدينا لفرض سياسات حول هذه المواضيع؟
الواقع أن هناك اهتماماً كبيراً بكبح شطط وتجاوزات شركات التكنولوجيا الكبرى وتأثيراتها على انتباهنا عبر الانقسام الأيديولوجي. وعلى سبيل المثال، فإن تشريعاً حديثاً يحظى بتأييد كلا الحزبين في مجلس الشيوخ يشترط على «فيسبوك» ومنصات أخرى قدراً أكبر من الشفافية بخصوص التأثيرات الاجتماعية والنفسية لخوارزمياتها، يمكنه أن يساعد على معالجة بعض الضوضاء المعلوماتية. لكن الحكومة الأميركية أيضاً يمكنها أن تستفيد من هيئة رقابة جديدة خاصة بالانتباه ووكالة مركزية لتنسيق السياسات في الفرع التنفيذي مع تفويض بمعالجة الضوضاء السمعية والمعلوماتية المتزايدة. 
ولئن كانت فكرة «هيئة رقابة خاصة بالانتباه» ستكون مثيرة للجدل مع القطاع، فإن الحكومة الأميركية واجهت مقاومة ضد فكرة مكتب فدرالي للحد من الضوضاء المعلوماتية والسيطرة عليها أيضا. إذ تُعارض مجموعاتُ المصالح الخاصة، مثل قطاعات التصنيع وسلطات النقل العام، إقرارَ لوائحَ إلزامية ضد الضوضاء. ومع ذلك، فإنها أحرزت تقدماً في الموضوع. ويقول «الطبيب العام الأميركي» ويليام إتش. ستيوارت متسائلاً: «هل يجب علينا أن ننتظر إلى أن يتم إثبات كل حلقة ضمن سلسلة السببية؟ في حماية الصحة، الدليل الدامغ يأتي لاحقاً. وانتظاره يعني استدعاء الكارثة أو إطالة أمد المعاناة على نحو غير ضروري!». 

جاستن زورن ولي مارتس

كاتبان أميركيان
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»