إذا لم يقُم المزارعون بوضع الأسمدة في أراضيهم، سيهبط إنتاج بعض المحاصيل إلى النصف. وهكذا فإن إلغاء الأسمدة يساوي المجاعة، كما أن نقصها أو ارتفاع أسعارها يضع العالم أمام أزمة غذاء كبرى.
في عام 2008 ومع الأزمة الاقتصادية العالمية ارتفعت أسعار الأسمدة بشكل كبير، ومع جائحة كورونا زادت من جديد، ثم مع حرب أوكرانيا وصلت إلى مستويات قياسية، وحين كانت المعارك تشتدّ في مدينة «سيفيرودونتسك» المعروفة باسم «مدينة السِّماد» حيث تضم المدينة أكبر مصانع الأسمدة في العالم، كان المزارعون في دول عديدة من شرق آسيا إلى البرازيل في قلق شديد خوفاً من غياب الأسمدة عن الحقول.
السماد هو مادة تضاف إلى التربة من أجل مساعدة النباتات على النمو، وهناك السماد العضوي والسماد الكيماوي. يتم إنتاج الأسمدة الكيماوية في المصانع، حيث تتضمن كميات كافية من النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم. ويتم إعداد الأسمدة العضوية من أوراق الأشجار والشجيرات وروث الحيوانات والطيور والأسماك، وكذلك جذور النباتات ومخلفات الصرف الصحي.
يرى بعض علماء الزراعة أن السماد العضوي يكون أكثر فائدة مع الخضر والبقوليات، ولكن الفواكه ومنتجات أخرى تحتاج السماد الكيماوي نظراً لحاجتها إلى النيتروجين، ولا يتواجد النيتروجين في السماد العضوي بأكثر من (3%)، لكنه يزيد على (50%) في السماد الكيماوي.
في تقرير مميز نشره موقع (بي. بي. سي) في فبراير 2019 قال خبراء إن السماد العضوي يمكنه إصلاح التربة المرهقة، وهو ما لا يمكن للسماد الكيماوي فعله، وحسب الخبراء فإن معظم التربة في أفريقيا هي تربة حمضية، كما أن زراعة الأرض عبر آلاف السنين قد أصابها بدرجة كبيرة من التصحُّر، ومن شأن الأسمدة العضوية أن تعيد ترميم هذه التربة، وأن تردّ لها عافيتها.
لا يكفي السماد الكيماوي لاستعادة خصوبة التربة، كما أن خام الفوسفات الصخري الذي تعتمد عليه صناعة السماد الكيماوي تتراجع احتياطاته باستمرار، وتقول بعض الدراسات إنّهُ قد يواجه النفاد بعد (30) عاماً.
وإذا ما أُضيف لذلك الاعتبار أزمات أو حروب دولية كبرى، فإن العالم سيواجه أصعب أزمة غذاء في تاريخه، فعلى الرغم من التأثير المحدود لحرب أوكرانيا، فإن دولاً عديدة خاضت ما تمت تسميتها بدبلوماسية الأسمدة، كما أن الولايات المتحدة ألغت الرسوم على واردات الأسمدة من روسيا. 
وإذا نشبت حروب أكبر، أو امتدت حرب أوكرانيا في المكان والزمان، فإن الأسمدة الكيماوية لن تكون متوفرة بالقدر الكافي، ويكون الحل في تطوير تكنولوجيا الأسمدة العضوية، وتدريب المزارعين على الإنتاج المحلي، ودعم البحوث من أجل زيادة كفاءتها ومضاعفة تأثيرها. ولقد كان تقرير بي بي سي موفقاً حين جعل عنوانه في وصف الأسمدة العضوية بـ«السماد المعجزة».
يحتاج العالم إلى معجزات عديدة، واحدة منها إنقاذ الأراضي الزراعية العجوز من الموت، وإعادة بناء خصوبتها عبر الأسمدة العضوية.. والاستعداد لحقبة ما بعد الفوسفات، ولو كانت بعد زمن طويل. يجب العمل على تأمين العالم من الجوع والخوف.
* كاتب مصري