لم يعد اليوم الوطني يمثل بالنسبة للسعوديين مجرد استذكار لماضيهم، وإحياء لذكرى يوم اكتمال توحيد بلادهم على يد المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، رحمه الله. تغير مفهوم اليوم الوطني في السنوات القليلة الماضية، وأصبح، بفضل الجيل الجديد من السعوديين، «قاعدة معنوية» ينطلق منها المبدعون السعوديون نحو فضاءات مستقبلهم. تغيّرت نغمة الاحتفال، وتجددت زاوية الرؤية إلى الماضي، وصارت كلمة السر التي تتردد في كل قصيدة أو أغنية أو كلمة بمناسبة هذا اليوم المجيد تدور حول السؤال الوجودي «أين هو السعودي في عالم الغد»؟

صحيح أن العودة للماضي انحياز للإرث وتأكيد على الهوية، وصحيح إن إبراز المنجزات المتحققة والنجاحات طويلة العمر التي صبغت مسيرة الدولة السعودية منذ نشأتها وحتى اليوم مسألة لا نقاش حولها، فهي التي تؤكد سلامة المنهج وصدق النوايا ورسوخ العلاقة الوطنية الخالصة بين الحاكم والمحكوم. صحيح كل ذلك.

ومطلوب دائماً في الأيام الوطنية أن يُشار إلى الماضي بوصفه جزءاً رئيسياً من هيكل الدولة، فالبناءات السياسية التي لا تتكئ على قاعدة صلبة من التفاهمات والحلول التاريخية لا تمتع بالصلابة الكافية لمواجهة المتغيرات الدولية المتتابعة. يعرف السعوديون هذا الأمر، ويعرفون أكثر أن «قصة التوحيد» لم تكن لتظهر في هذا الجزء من العالم لولا العزيمة الصلبة والرؤية الحصيفة للملك المؤسس، رحمه الله، التي اقترنت بإرادة شعب يتوق إلى التعبير عن نفسه كممثل أصيل لمادة الإسلام الأولى.

ويعرفون أن التاريخ القريب (توحيد المملكة 1932) والتاريخ البعيد (يوم التأسيس 1727) يمثلان نقطتي انطلاق مركزية لوضع الجزيرة العربية في المكان الذي يليق بها في مقدمة ركب الحضارات العالمية. ومن هنا صار السعوديون يحتفلون بأيامهم الوطنية كل عام بوصفها نقاط ابتداء لا تنتهي باتجاه المستقبل «الذي لا يتخيّله إلا الحالمون».

ومن هنا أصبحت مراكمة الإنجازات والنجاحات فوق بعضها، فعل عملي أكثر من كونه فعلاً احتفالياً. «أين هو السعودي في عالم الغد»؟، هذه كل القصة. جيل صاعد وقيادة تعرف بالضبط ماذا تفعل. لم ينشغل الشعب بإعادة تعريف وجوده كما تفعل شعوب ليست بعيدة عنه جغرافياً، فهو مطمئن تماماً لحاضره مثلما كان مطمئناً لماضيه. ولم تنشغل القيادة بإعادة ترتيب أولوياتها، فما جاء به المؤسس منذ أكثر من مائة عام، ظل دستوراً راسخاً في عمل الحكومات المتعاقبة: المواطن أولاً وثانياً وأخيراً.

«أين هو السعودي في عالم الغد»؟ هذه كل القصة. تأكيدٌ على مكتسبات الحكم الرشيد التي تراكمت خلال السنوات التسعين الماضية، وتطلعٌ لأن يكون السعودي في المستقبل صانع تغيير ورقم صعب في الحسابات العالمية، على المستويات كافة: السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية.

«أين نحن في عالم الغد»؟ هكذا يحتفل السعوديون بيومهم الوطني. طموح يتلوه طموح، وأحلام تتكشف عن حقائق على الأرض، تحت مظلة إيمان راسخ بفعالية وكفاءة منهج دولتهم الذي أنتج خلال القرون الثلاثة الماضية استقراراً سياسياً ومجتمعياً مستمراً أفضى إلى رفاه اقتصادي متين.

* كاتب سعودي