حافظت الأمم المتحدة على اليوم العالمي للسلام، المصادف لافتتاح جمعيتها العامة السنوية في الحادي والعشرين من سبتمبر، كتذكير متكرّر للدول الأعضاء، لا سيما الكبرى منها، بأن «السلام» يبقى الهدف الأول الأسمى للمنظمة الأممية، ومن دون تحقيقه ينتفي مبرر وجودها وإنشائها غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية قبل سبعة وسبعين عاماً، ويتلاشى أي معنى أو مغزى لميثاقها.

الأمناء العامون للمنظمة كانوا عموماً رجالَ سلام، وشَكَوا جميعاً من صعوبات تعكّره وعقبات تعترضه، لكن الأمين العام الحالي ذهب أبعد بتحذيره من أن الأزمات الراهنة «تهدّد جوهر مستقبل البشرية ومستقبل كوكبنا».

والمشكلةُ الأهمُ في نظره أن المجتمع الدولي ليس مستعداً ولا راغباً في مواجهة التحديات، فيما تمسّ «الحاجة إلى تحالف العالَم».هذه السَّنة تحديداً لم يكن اليوم العالمي للسلام محظوظاً، إذ وقع في ذروة التهديدات، ليس فقط جراء حرب أوكرانيا وما جرّته من أزمات غذائية وطاقوية، بل أيضاً في ما استجدّ من ظواهر ناجمة عن تغيّر المناخ وسط استمرار أعراض الجائحة الصحية في أنحاء عديدة. لكن الإصرار على السلام يبقى ضرورة قصوى، ذاك أنه يُنتَهك كل يوم بأشكال ووسائل شتّى.

ولعل الصورة تتضح أكثر بالعودة إلى الأسباب التي جعلت أعضاءَ الأمم المتحدة يقرّون عام 1981 تكريس ذلك اليوم للسلام العالمي، وقد رأوا آنذاك أنه لا يُترجَم بوقف الحروب والصراعات فحسب رغم أهميته، بل اعتبروا أن بيئة السلام يجب أن تُرعى وتُحصّن «من خلال حقوق الإنسان والتعليم والطب والهندسة والتكنولوجيا»، للتأكّد من وضع حدّ للمخاطر المحدقة به.

على مدى أربعة عقود ونيّف سلكت «ثقافةُ السلام» طريقَها عبر القطاعات المذكورة، ويمكن القول إن دولاً معدودةً حققت نجاحات في مجال التعايش بين الأمم، لكن غالبيتَها لم تبلغ الأهدافَ المنشودةَ، إما قصوراً أو تذرعاً بصراعات قائمة تتعارض مع أي سلام يمكن الحديث عنه.

وفي هذا المجال برزت مسؤوليةُ الدولِ الكبرى التي مالت في معظم الأحيان إلى تغليب مصالحها في تلك الصراعات على السعي إلى حلّها لفتح آفاق جديدة على التنمية ومكافحة الفقر والأمية وأخطار المجاعة. وقد عرضت مئتا منظمة غير حكومية، في الآونة الأخيرة، أرقاماً صادمة، وجاء في تقريرها الموجّه إلى ممثلي الدول في الأمم المتحدة أن «شخصاً يموت من الجوع كل أربع ثوانٍ»، وأن «عدداً مروّعاً من الناس يبلغ 345 مليوناً يعيش حالياً في حال جوع شديد».

لذا يُستَنتَج أن ثمةَ خللاً في قيادة العالَم، وبالتالي تتخذ مسألة إعادة هيكلة مجلس الأمن الدولي مكانةً بارزةً في جدول الأعمال الأممي، بهدف تمكين الأمم المتحدة من «إيجاد حلول». ما يبرّر إعادة الهيكلة هذه أن «عالَمنا في ورطة كبيرة وأصبح مشلولاً»، بحسب أنطونيو غوتيريش، لأن الانقسامات «تقوّض عملَ» مجلس الأمن والقانون الدولي، ولأنه «لا تعاون ولا حوار ولا حلول جماعية».

وهذا تحديداً ما توضحه حربُ أوكرانيا المتروكة للتصاعد من دون ضوابط، رغم أن الصين، مثلاً، كررت دعوتها للأطراف المعنيين إلى وقف إطلاق النار عبر «الحوار والتشاور لإيجاد حل يراعي المخاوف الأمنية المشروعة لكل الأطراف وفي أسرع وقت ممكن».

ومن جهته أكد الرئيس الفرنسي أن «هدف التفاوض على تسوية سلمية لا يزال قائماً». لكن أحداً لا يعمل لإطلاق الحوار والتفاوض، وبالتالي فإن السلام هو الضحيّة، كما لو أن النظام الدولي بات عاجزاً عن إنتاج السلام!

*كاتب ومحلل سياسي- لندن