بدأ يوم الثلاثاء الماضي (20 سبتمبر) بنبرة كئيبة، ففي الساعة 8:30 صباحاً أخبرَنا مكتبُ إحصاءات العمل أن التضخم ما زال جامحاً؛ فقد ارتفعت الأسعار في أغسطس بنسبة 8.3% مقارنةً بالعام السابق، وانخفضت الأسهم بشدة.. واختبأ الليبراليون. لكن بعد ذلك في العاشرة صباحاً، أخبرَنا مكتبُ الإحصاء أنه في خضم حالة طوارئ صحية لا مثيل لها، أودت بحياة ملايين الأشخاص، وعطّلت سلاسل التوريد العالمية، وأشاعت البطالة في أسواق العمل في جميع أنحاء العالم.. تمكّنت الولايات المتحدة من خفض معيار الفقر التكميلي، وهو معيار لمعدل الفقر يأخذ في الاعتبار تأثير الإعانات الحكومية، إلى 7.8% العام الماضي من 9.2% عام 2020. 
والطريف هو أن خطة الإنقاذ الأميركية -أي الحزمة المالية البالغة تريليوني دولار التي أقرها الرئيس بايدن عبر الكونجرس متحدياً المنتقدين الذين جادلوا بأنها ستؤدي إلى زيادة الضغط التضخمي- تستحق أن ينسب إليها الكثيرُ من الفضل في هذا. فالرصيد الضريبي للأطفال، الذي وسّعته الخطة، أخرج أكثر من 5 ملايين شخص من وهدة الفقر. ورفعت مدفوعات التحفيز المالي نحو 9 ملايين شخص فوق عتبة الفقر. والتأمين الموسَّع ضد البطالة ساعد في هذا الصدد أيضاً. وساعد دعم جهود إنقاذ الطلب على إبقاء الموارد المالية للفئات الأكثر ضعفاً قادرةً على الاستمرار. وارتفع قليلا دخلُ الأُسر بعد خصم الضرائب للأميركيين دون أي تعليم جامعي، وفقاً لبيانات التعداد. 
لكني أدركتُ أنه لا توجد مقايضة لا مفر منها بين التضخم والحد من الفقر. فبوسع المرء تقليص فقر الأطفال دون جموح في التضخم. والواقع أن ثمن التوسع في الرصيد الضريبي للأطفال بلغ نحو 100 مليار دولار فقط، وهو رقم لا يكاد يكبح التضخم. وحتى لو كان أكبر، فمن الممكن فرض ضرائب أعلى لتغطية كلفته وتجنب ضخ المزيد من النقد في الاقتصاد. لكن بمجرد التفكير قليلا في السياسة التي تشكل السياسات المالية وإعادة التوزيع في هذا البلد، تصبح المقايضة التي تواجهها إدارة بايدن موضعَ تركيز. 
ولننظر إلى الفقر وفقاً لمقياس الفقر التكميلي، وهو أحدث مقياس للعوز تم الكشف عنه عام 2009، ووفقاً له كان الانخفاض في الفقر بين عامي 2019 و2021 أكبر مما كان عليه خلال العقد السابق بأكمله. وذلك على الرغم من مصائب «كوفيد-19»، التي كان بمقدورها بمفردها دفع ملايين الأميركيين إلى الفاقة. وتيسر هذا لأن النظام السياسي استجاب لحالة الطوارئ بحُزَم إنقاذٍ مالية تبدو غير أميركية في حجمها ونطاقها. وجاءت خطة الإنقاذ الأميركية لبايدن تتويجاً لحُزم بمليارات الدولارات من الدعم المالي ضختها إدارة ترامب، ولم يكن لأي منها سابقة في تاريخ السياسة الأميركية، على الأقل منذ الكساد الكبير. 
هل تتذكرون تحذيرَ مستشاري الرئيس أوباما في أعقاب أزمة الإسكان منذ نحو 15 عاماً؟ لقد جادلوا بأن السياسة الأميركية لن تدعم الإنفاق الحكومي الطارئ بأكثر من تريليون دولار، حتى ولو هددت حالةُ الطوارئ أرزاقَ ملايين الأميركيين. لكن كوفيد-19 غيّر هذه السياسة. وربما أثارت الطبيعة العالمية للتهديد الناجم عن فيروس كورونا شعوراً بوحدة الهَمّ الإنساني. وعلى أي حال، بعد تحفيز بتريليونات الدولارات في العام الأخير من رئاسة ترامب، جانبَ مستشارو بايدن الصوابَ تقريباً في تجنبهم نصائح عهد أوباما وجنوحهم نحو المبالغة في الطموح. 
وربما لم تكن هذه هي اللحظة المثالية في الدورة الاقتصادية لضخ تريليونات الدولارات الإضافية في الاقتصاد. لكن يجب اغتنام الفرص فورَ ظهورها. ووفق تاريخ صنع السياسة الأميركية، يرقى البديل فيما يبدو إلى قبول المزيد من ملايين الأميركيين الذين يعيشون في فقر. وليست هذه هي نهاية القصة. فقد أصبح التضخمُ الهمَّ الاقتصادي السائدَ في المحادثات السياسية الأميركية في الفترة التي سبقت انتخابات التجديد النصفي، مما يقوض ادعاء «الديمقراطيين» بأنهم حراس مسؤولون عن الاقتصاد. 
ويجادل المنتقدون ليس فقط بأن السياسة المالية لبايدن ستفشل في تحسين سبل العيش على المدى الطويل، لأن التضخم يقوض أي مكاسب عابرة. ويرون أيضاً أن الإنفاق السيئ التوجيه -مثل الشيكات الشاملة للأميركيين بصرف النظر عن حاجتهم للمال- سيعقد اقتصاديات وسياسات الأهداف الحاسمة الأخرى. فكيف، مثلا، يمكن اعتبار خطة الإنقاذ الأميركية نجاحاً تقدمياً إذا سلمت الكونجرس إلى حزب جمهوري عازم على عرقلة كل هدف سياسي تقدمي؟ لكن النقد يتجاهل، رغم هذا، أهمية الفرصة السياسية.
وهناك طريقة أفضل للقيام بإعادة التوزيع. فقد اختارت واشنطن التقشفَ في أعماق الركود العظيم عقب انهيار السوق العقاري، حين كانت أسعار الفائدة منخفضة لدرجة تجعل أي استثمار حكومي يحقق أرباحاً. ثم اختارت الإسراف في الإنفاق حين بدأ التضخم في الارتفاع. وربما يمكن جعل السياسة الأميركية تتلاءم بشكل أكثر منطقيةً مع الدورة الاقتصادية. ويجادل جاستن ولفرز (من جامعة ميشيجان) بأن عوامل الاستقرار التلقائية –وهي المساعدة التي يتم تشغيلها عندما يتدهور الاقتصاد ويتوقف عن العمل مع تحسنه– قد تساعد في فهم إعادة التوزيع الأميركي بشكل أفضل. وسيكون هذا تحسناً واضحاً للممارسة الحالية المتمثلة في إقرار المساعدة من خلال التوافق لأنه لا يمكن إنجاز أي شيء بغير هذا. لكن عوامل الاستقرار الاقتصادي التلقائية تتطلب نوعاً من التوافق السياسي في الآراء لا تتمتع به الولايات المتحدة حالياً. وفي غيابه يتعين على إدارة بايدن انتهازَ كل فرصة سانحة. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست سينديكيت»