في عام 1899 طرح نيكولا تسلا، أحد أشهر علماء الهندسة ومَن يَعُدُّه كثيرون الأب الروحي للهندسة الكهربائية، فكرة إيصال الكهرباء إلى كل بقعة من بقاع الأرض باستخدام فكرة مبتكَرة تعتمد على استخدام قاع الأرض مُوصِلاً للكهرباء. وبرغم الحماسة التي أبداها تسلا، واستعداد رجال أعمال من أشهرهم جيه بيه مورجان للاستثمار في المشروع، فإن الفكرة لم يُكتَب لها النجاح.
وبعد مرور أكثر من قرن على فكرة تسلا أصبحت القدرة على الوصول إلى مصادر الطاقة الكهربائية واستخدامها من أهم المعايير التي يمكن بها تقييم القوة الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي لأي دولة في العالم. ومع استمرار جهود العلماء والمهندسين حول العالم، يوشك حلم ربط كل بقعة مأهولة على سطح الأرض بالطاقة الكهربائية أن يتحوَّل حقيقةً.
وبحسب إحصائية البنك الدولي لعام 2020، فقد وصلت نسبة الذين تصل إليهم الطاقة الكهربائية حول العالم إلى نحو 87 في المئة من مجمل سكان الأرض، وهو تزايد ملحوظ إذا ما قُورن بنسبة 70 في المئة عام 1990. وعرَّفت الإحصائية «توافر الطاقة الكهربائية» للمنزل الواحد بأنه «وجود مصدر للكهرباء يَمُد المنزل بما يلزم لإنارته، ولشحن هاتف محمول واحد أربع ساعات يوميّاً»، وهو تعريف متساهل بعض الشيء.
ورغم توافر الكهرباء للأغلبية العظمى من سكان الأرض، يَبرُز تحديان مهمّان متناقضان قليلاً، فمن جانب يحتاج العالم إلى طاقة كهربائية أكثر لتنامي حاجاته، ولوجود نحو مليار شخص ممَّن لا يستطيعون الاستفادة بأيسر الطرق من الطاقة الكهربائية، ويتركَّز أغلبهم في القارة الأفريقية، والمناطق النائية، ومناطق النزاع المختلفة. ومن جانب آخر، بحسب الوكالة الدولية للطاقة، يُعَدّ إنتاج الطاقة الكهربائية والطاقة اللازمة للتدفئة في المناطق الباردة المصدر الأول لانبعاثات الغازات الضارة بالبيئة التي تتسبّب بظاهرة الاحتباس الحراري.
وقد أظهرت دراسة لشركة «بريتيش بتروليوم»، في عام 2020، أن نحو 60 في المئة من إنتاج الطاقة الكهربائية عالميّاً يعتمد على مصادر كربونية تنبعث من حرقها غازات ضارة بالبيئة، ولا سيَّما ثاني أكسيد الكربون. وتفصيلاً نجد في الدراسة أن نحو 37 في المئة من إنتاج الطاقة الكهربائية عالميّاً ناتج من حرق الفحم، يليه 23 في المئة من حرق الغاز الطبيعي. أما المصادر غير الكربونية للطاقة الكهربائية عالميّاً، فكان توزيعها كالآتي: 16 في المئة كهرومائية، و10 في المئة من المفاعلات النووية، و10 في المئة فقط لما يُعرَف بمصادر الطاقة المتجدّدة، مثل الألواح الشمسية وطاقة الرياح.
ولِحلّ المعضلة المتمثلة في الحاجة إلى طاقة كهربائية أكثر، وتقليل انبعاثات الغازات الضارة بالبيئة، تبذل الدول حول العالم جهوداً حثيثة لتنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية، وتقليل اعتمادها على مصادر كربونية. ومن أكثر الدول نجاحاً في هذا المجال الدول الإسكندنافية، مثل النرويج التي أنتجت في عام 2021 نحو 91 في المئة من حاجتها من الطاقة الكهربائية، المقدّرة بأكثر من 140 تيرا-وات ساعة، من مصادر كهرومائية.
أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد وضعت الجهات المسؤولة، مثل وزارة الطاقة والبنية التحتية، خططاً مستقبلية لتنويع مصادر الطاقة الكهربائية، وتقليص الاعتماد على المصادر الكربونية تدريجيّاً. وقد بدأت هذه الجهود تعطي ثمارها فعلاً، فبعد أن كان الغاز الطبيعي المصدر الأساسي والوحيد للطاقة الكهربائية عشرات السنوات، تمكّنت الدولة من إنتاج ما يقارب 5 في المئة من حاجتها من الطاقة الكهربائية في عام 2020، المقدَّرة بنحو 131 تيرا-وات ساعة، من المفاعلات النووية والألواح الشمسية. وهذه النسبة في تزايد مستمر، والهدف هو الوصول إلى إنتاج نحو 50 في المئة من حاجة الدولة من الطاقة الكهربائية من مصادر غير كربونية بحلول عام 2050. وبالتوازي تَستثمر دولة الإمارات كثيراً في بحوث الطاقة المتجددة لإيجاد حلول أكثر كفاءةً من التكنولوجيا الموجودة حاليّاً. ومن الأمثلة على المراكز النشيطة في هذا المجال مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، وجامعة خليفة، وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر).
لقد حلم نيكولا تسلا منذ أكثر من قرن بعالم تُضيئه الطاقة الكهربائية، وتكون حجر أساس لنهضة البشرية، وحتى لا يتحوَّل الحلم كابوساً، يجب عدم التغافل عن الخطر الدَّاهم من جرَّاء ظاهرة الاحتباس الحراري، وتنبغي زيادة الاعتماد التدريجي على مصادر صديقة للبيئة في إنتاج الطاقة الكهربائية، ما يتطلّب زيادة الاستثمار في هذا المجال، ودعم البحوث العلمية ذات الصلة بالطاقة النظيفة.

 *أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية - جامعة خليفة.