علاقة لا يفهمها إلا من اقترب من أطرافها، وتعمّق في تفاصيلها ودرسَ جذورَها وأدرك متانة أواصرها والعقد التاريخي النبيل بين أركانها (الحاكم والمحكوم).. إنها علاقة شعوب دول الخليج العربي بحكامها، وعلاقة الحكام بالشعوب والأُطر التي تنظّم هذه العلاقة المتميزة، المبنية على أسس راسخة لا تتزعزع أهمها الدين والدم والأخلاق. 
وبتحليل الأسس التي تقوم عليها علاقة الحاكم والمحكوم في دول الخليج العربي، نجد أن الدين فيها أساس ودستور يأمر بالطاعة وعدم الخروج على ولي الأمر، ويحث على البيعة والشورى وحفظ الميثاق والامتثال له، مقابل حفظ حقوق المحكوم بعدالة الدين وتعاليمه. وفيما يتعلق بالدم فالشعوب الخليجية تتقارب في جذورها وتجتمع في القبيلة والنسب وتنتمي إلى كيانات قبلية وعائلية مترابطة. وتأتي الأخلاق كمعيار صلب تتكئ عليه علاقات الشعوب بينها وبين بعضها البعض وبينها وحكامها. فالمروءة وحفظ العهد والشهامة والصدق.. كلُّها أخلاقيات تميَّز بها سكان الخليج والجزيرة العربية، وباكتمال هذه الأسس تكتمل وشائج الميثاق بين الحاكم والمحكوم وتصبح معياراً ناظماً لضبط هذه العلاقة الفريدة في تناغمها وقوة نسيجها، حتى أنها أبهرت عقول كثير من الزائرين والباحثين والمستشرقين والمطلعين على أحوال شعوب الخليج وحكامها، خصوصاً في المناسبات الوطنية والرسمية، حيث تتجلى العلاقة في أسمى وأجمل ما يمكن أن يتخيله الراصد من قوة ومتانة وامتثال للحاكم وتقديره، مقابل تواضع الحكام وملامستهم لهموم شعوبهم من خلال تأدية واجبات هي أقرب ما تكون للواجبات العائلية والأسرية الحميمة، كالعزاء والعيادة وزيارة كبار السن وتقدير النخب وزيارات العلماء والالتزام بمعايدة وتهنئة فئات الشعب، وحضور أعراسهم ومناسباتهم ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم على حد سواء. 
قبل عدة أيام حلت ذكرى اليوم الوطني السعودي، فاحتفل بها السعودي والإماراتي والكويتي والقطري والبحريني والعماني جنباً إلى جنب، في الميادين والساحات والمؤسسات ومواقع الاحتفالات، وظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي أجمل صور الترابط وقوة الوشائج بين شعوب هذه المنطقة بما يختصر مؤلفات ومجلدات لوصف هذه العلاقة الراسخة بين الشعوب الخليجية، وبينها وبين حكامها. فقد اختلطت صور القادة بأعلام الدول وأهازيج وأغاني فناني الخليج بروح شبابها الفتي المتلاحم المحب لكل شبر في الخليج وكل حاكم وكل قائد من قادتها الفضلاء. وهذا التآلف يلفت بشدة انتباهَ الزائر والوافد إلى دول الخليج، من حيث التشابه الكبير بين شعوبها، ليس فقط تشابه الأزياء واللهجات والعادات، بل وأيضاً التشارك في المناسبات والاحتفاء في الأيام والمناسبات الوطنية، فتجدهم جميعاً دون تمييز أو تصنيف حسب دولهم أو ولاءاتهم أو موروثاتهم المتشابهة بشكل كبير. 
اجتمعت دول الخليج قبل أربعة عقود من الآن تحت لواء مجلس دول التعاون الخليجي الذي أحكم ترابُطَها وأطَّر علاقاتِها بروابط سياسية متينة، علاوةً على روابط الأخوّة والدم والنسب، إلى جانب العلاقة الفريدة لشعوب هذه الدول بحكامها، وهي علاقة تقدير وطاعة وبيعة قوامها المواثيق الرفيعة من الدين والنسب والأخلاق.

*كاتبة سعودية