في أعقاب القرار الروسي بشن «عملية عسكرية خاصة» في أوكرانيا، في 24 فبراير الماضي، فُرضت عقوبات اقتصادية هائلة على روسيا أحدثت صدمةً قوية في الاقتصاد الروسي. ورغم تكلفة الحرب في أوكرانيا التي دخلت شهرها الثامن، فقد أظهر الاقتصاد الروسي مؤشراتٍ للتعافي من فترة عدم الاستقرار الاقتصادي الأولية، وتكيف سريعاً مع الظروف الجديدة، وحط على طريق الاستقرار، مع توقع معدل نمو اقتصادي يتراوح بين -1.0% إلى 0% العام المقبل. 
وبالنسبة لروسيا، توازن أسعار النفط والغاز المرتفعة حالياً تأثيرات العقوبات الاقتصادية، وانخفاض حجم تجارة الطاقة مع أوروبا، وإدبار رؤوس الأموال والأعمال، وانكماش الإنتاج المحلي. لقد حققت مبيعات الطاقة الروسية فوائضَ في الحساب الجاري قدرُها 265 مليار دولار هذا العام، ما يُعد أكبر فائض من نوعه في العالم بعد الصين. ويلاحظ أن الصين والهند، وحديثاً تركيا، تشتري الطاقة والسلع الروسية التي كانت تتجه سابقاً إلى أوروبا والولايات المتحدة.
ومن ناحيةٍ أخرى، ووفقاً للمصرف المركزي الروسي، من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام بمعدل 4 إلى 6%، وهو أقل كثيراً مما كان متوقعاً. ويتوافق هذا التقدير مع أحدث توقعات صندوق النقد الدولي التي تشير إلى انكماش الاقتصاد الروسي عام 2022 بنسبة 6%. ويلاحظ أن معدل الانكماش هذا يُعتبر محدوداً، بالنظر إلى حجم العقوبات الغربية ونطاقها على الاقتصاد الروسي.
كما توجد علامات لتعافي سوق الأوراق المالية الروسي، والذي وصل مؤشره لأعلى مستوياته هذا الشهر (سبتمبر 2022). ومن الجدير بالذكر أنّ بورصة موسكو لم تعد تقبل الدولار الأميركي في تعاملاتها، كجزء من سياسة تقليل الاعتماد الاستراتيجي على النظام المالي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة.
ومع ذلك، لا يزال الاقتصاد الروسي يواجه تحدياتٍ جمةً، أبرزها ارتفاع معدل التضخم (40-60%)، نمو عجز الموازنة، انخفاض الاحتياطات الأجنبية، فقدان الأعمال ورؤوس الأموال والمواهب، وتضرر سلاسل إمداد الطاقة مع الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، أصبحت توقعات الاقتصاديين متفائلةً بالنسبة لوضع الاقتصاد الروسي في الأجلين القريب والبعيد. ففي الأجل القريب (حتى عام 2024)، يُظهر الاقتصاد الروسي مؤشرات معتبرة للتعافي من صدمة العقوبات والتضخم التي تسببت فيها الحرب. ذلك أنّ معدل انكماش يتراوح بين 4 و6% يبين درجةً مرتفعةً من القدرة على التكيف والتحمل بالنسبة للاقتصاد الروسي. كما أن استمرار المعدلات المرتفعة لأسعار وتجارة الطاقة، وشرائها من قبل الصين والهند وتركيا، يسهم في تحسين الرؤية الاقتصادية لروسيا في الأجل القريب. 
وفي الأجل الطويل، سوف تكون روسيا قد أكملت شبكةَ أنابيب آسيا، وسوف تكون قادرةً على الاعتماد على الصين كمشترٍ للطاقة يُعتمد عليه وكشريك في التكنولوجيا، ما قد يعوّض موسكو خسارةَ عوائد التصدير وعدم الوصول للتكنولوجيا الغربية التي ما تزال تحتاج إليها. وهذا سوف يضع الاقتصاد الروسي على أرضية أكثر صلابةً، ويفضي به إلى معاودة النمو، في الأجل الطويل. كما أنّ اتجاه روسيا لتأسيس وتنويع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع دول أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية، من المحتمل أن يؤدي إلى تشكيل شراكات اقتصادية مربحة لروسيا.

*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية