قبل ثلاثة أشهر من نهاية العام، أقر مجلس النواب اللبناني موازنةَ البلاد لعام 2022، بينما كان يفترض أن يناقشَ موازنةَ العام المقبل.

ورغم تأخير إقرارها تسعة أشهر، وهي آخر موازنة في عهد الرئيس ميشال عون الذي ينتهي مع نهاية الشهر الحالي، فقد تعرّضت الموازنةُ لانتقادات شديدة من النواب الذين أطلقوا عليها صفات عدة منها: موازنة لا تصحيحية ولا إصلاحية، موازنة الشلل الحكومي، عملية انتحار جماعية، تشريع للتهرب الضريبي والاقتصاد الموازي.. بل اعتبرها البعض سرقة موصوفة على نحو مموه بسبب ضرائبها المرتفعة، وقال آخرون إنها ستؤدي إلى انهيار ما تبقّى من اقتصاد لبنان. وبلغة الأرقام، يلاحظ أن موازنةَ عام 2019 كانت تساوي 17.2 مليار دولار، ونسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغ حينذاك نحو 54 مليار دولار تصل إلى 31.9%.

أما موازنة العام الحالي فتساوي حسب سعر الصرف الفعلي في السوق 1.07 مليار دولار، موزعة على ناتج يبلغ 14.1 مليار دولار، أي أنها تساوي فقط 7.6% منه.. ما يؤكد خطورة غياب الدولة وقد أصبح وجودُها هامشياً في بنية المجتمع اللبناني. واللافت أن الموازنة تحمل عجزاً بنحو 10.8 تريليون ليرة (40.8 تريليون ليرة للنفقات مقابل 29.9 تريليون ليرة للإيرادات).

وعندما سُئل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي: كيف سيُغطَّى هذا العجز؟ أجاب: «إن صندوق النقد تكفَّل بتمويل العجز في حال وقع الاتفاق مع لبنان، وإلا ذاهبون إلى التضخم»، أي إلى المزيد من طبع الأوراق النقدية وتدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار. وخلافاً لتفاؤل الرئيس ميقاتي، فإن مجلس المديرين للصندوق في اجتماعه المرتقب يوم العاشر من الشهر الجاري لن يبحث طلبَ مساعدة لبنان بنحو 3.5 مليار دولار، تمهيداً للحصول على ثقة المجتمع الدولي التي تتيح له الحصول على قروض ومساعدات من الدول المانحة تقدر بنحو 15 مليار دولار، لأن برنامج المساعدة لم ينجز، بسبب تلكؤ الفريق السياسي الحاكم في إنجاز الإصلاحات، حتى أن بعثة الصندوق برئاسة أرنستو راميرز والتي زارت مؤخراً الرئيس ميشال عون في بعبدا، أبدت شعورها بالإحباط والصدمة. وعرض راميرز ما اعتبره أخباراً «غير جيدة»، ملاحظاً «أن الغموضَ والجمودَ يسيطران على برنامج الإصلاح للنهوض بالاقتصاد، في حين كنا نتوقع تغييرات إيجابية».

وتوجه إلى الرئيس عون قائلا: «نحن مصدومون، لأنه لم يحصل شيء منذ الانتخابات النيابية، بعدما كنا نتوقع الانكباب على إجراء الإصلاحات، خصوصاً بعد توقيع الاتفاق الأولي بيننا وبينكم في ابريل الماضي».

وهكذا سيرحّل طلب لبنان إلى اجتماع مجلس المديرين للصندوق المقرر في مارس المقبل. ويرتبط هذا التطور بتحرك دولي وعربي، تضمَّنه البيانُ الثلاثي السعودي الأميركي الفرنسي الصادر عقب اجتماع عقد في 21 سبتمبر الماضي في نيويورك، وشكّل خارطةَ طريق «ثلاثية» الأبعاد لتقديم الدعم المنشود للبنان، وهي ترتكز على «تطبيق الإصلاحات المطلوبة، والتزام اتفاق الطائف الذي يحفظ الوحدةَ الوطنيةَ والسلمَ الأهلي، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن (1559، 1680، 1701، و2650) وغيرها من القرارات الدولية ذات الصلة، بما فيها تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية».

ووفق البيان فإنه يجب انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد الدستوري المحدد (قبل31 أكتوبر 2022) «يكون غير متورط بملفات فساد، وغير محسوب على محور سياسي، ويتمتع بعلاقات سياسية جيدة مع دول الإقليم والمنطقة والمجتمع الدولي، وأن يحرص على توحيد الشعب اللبناني»، وذلك بالتوازي مع «تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية المطلوبة بشكل عاجل، وتحديداً تلك الإصلاحات اللازمة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي».

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية