مشهد جديد قادم من أوكرانيا قد يغير جميع السيناريوهات. البعض يظن أنها نهاية للحرب، فيما يعتقد آخرون أن المعارك ستعود بقوة بين الجانبين الروسي والأوكراني، لكن هناك حقبة جديدة من تاريخ العالَم بعد تغير موازين القوى وفرض روسيا للأمر الواقع في أوكرانيا في انتظار رد فعل الغرب و«الناتو».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن رسمياً ضم أربع مناطق أوكرانية إلى روسيا، وهي لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا، كما سيمنح المواطنين في هذه المناطق الجنسيةَ الروسية، فيما تزينت موسكو بأعلام الانتصار وحضر كبار المسؤولين الذي هللوا احتفالاً بذلك الإعلان. ومع أن دولَ الغرب سارعت لشجب ضم تلك المناطق، فإن ذلك لم يغير من المعادلة، أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي فطالب حلفَ «الناتو» بتسريع وتيرة ضم بلاده للحلف، الأمر الذي قد لا يتحقق.

فقد سبق وشهدنا انضمام شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي أصبحت روسية وسرعان ما طُويت صفحة المطالبة باسترجاعها. والمفارقة أن أوكرانيا خسرت نحو 70% من ثرواتها التي تقع في تلك المناطق الأربع. وهنا نتحدث عن النفط والصناعات الكيمياوية والفحم والحديد وثروات طبيعية أخرى.

كما أن تلك المناطق هي الأكثر خصوبةً وإنتاجاً للحبوب، فضلاً عن وجود موانئ هامة ومنافذ بحرية كبيرة، حيث سيطرت روسيا على بحر آزوف كاملاً بعد إعلان الضم، فـ20% من مساحة أوكرانيا اقتطعت، وفي الوقت نفسه سيتقلص عدد سكان البلاد، إذ سيصبح نحو 21% منهم ضمن الدولة الروسية.

أما بالنسبة للسيناريوهات المتوقعة، فالبعض يقول إن روسيا، وبعد أن تفاجأت بالدعم الغربي الكبير لأوكرانيا، وعدم انهيار دفاعاتها كما كان متوقعاً، إضافة للخسائر الكبيرة في صفوف جنودها، قررت إعلان النصر وضم المقاطعات الأوكرانية التي تعتبر أنها انتزعت منها في عهد الاتحاد السوفييتي وأن سكانها من الروس. ثم بعد ضم الأقاليم تقوم موسكو بالدعوة إلى التفاوض وإنهاء الحرب من موقع القوة.

وهنا ستحتفظ روسيا بسيطرتها وربما توسعها وتدفع بمزيد من القوات نحو هذه المقاطعات باعتبارها مقاطعات روسية، وبذلك تنهي عملياتها في باقي أوكرانيا. لكن يبقى السؤال: هل تنتقل روسيا نحو حالة الحرب الشاملة هذه المرة، باعتبارها تكون مدافعةً عن أراضيها؟ وهل ستستخدم أسلحة نووية محدودةً أم أسلحة تدميرية متطورة على أقل تقدير لتثبيت نصرها ودفع كييف والغرب للتفاوض وقبول الأمر الواقع؟

السيناريو الثاني المطروح هو حرب الاستنزاف الطويلة الأمد، أي الحرب مجهولة النهاية بين روسيا وأوكرانيا، وقد تكون على طريقة حرب العصابات على الحدود بين الجانبين، حيث ستسعى كييف بدعم غربي لاستعادة أراضيها أو جزء منها، فيما ستدافع روسيا عن تلك المقاطعات، وهذا قد يكون لصالح أعداء روسيا، إذ ستشتد العقوبات ضدها ويستنزف اقتصادها في حرب مجهولة النهاية، وهذا ما قد يحقق آمال الولايات المتحدة في تحجيم «الدب الروسي» عبر الزج به في صراع طويل ومكلف للغاية. إنه أحد السيناريوهات المحتملة، وهو ما تستعد له كييف. لكن ماذا عن إمكانية انضمام أوكرانيا لحلف الناتو؟

وهل سيدافع الحلف عن العضو الجديد أم سيرفض عضويتَه أصلاً مخافةَ التورط في حرب مباشرة مع روسيا؟ السيناريو الثالث أن تنفلت الأمور من عقالها وتتطور الحرب وتتورط فيها أطراف أخرى. ومع أن هذا الأمر مستبعد، خاصة من قبل القوى الكبرى، فإنه لا يزال ضمن السيناريوهات المتوقعة، وإذا ما حدث فسيدخل أوروبا في حرب مدمرة، وعندها سيكون العالَمُ أمام تحد خطير وغير معلوم النتائج على كافة الصعد.

*كاتب إماراتي