حدثٌ سياسي كبير ومزلزلٌ في إيطاليا، بل وفي أوروبا، ألا وهو فوز اليمين بزعامة جيورجيا ميلوني في الانتخابات التشريعية الأخيرة، على حساب الأحزاب التقليدية، محققاً انتصاراً تاريخياً. وقد ارتبط اسم ميلوني منذ شبابها باليمين وتوجهاته، وكانت هذه الناشطة الطلابية السابقة، عضواً في «حزب الرابطة» اليميني بقيادة ماتيو سالفيني قبل أن تؤسس حزبَها في عام 2012 تحت اسم «فراتيلي ديتاليا» (إخوة إيطاليا).
«أنا جيورجيا، أنا امرأة، أنا أمٌ، أنا إيطالية، وأنا مسيحية». هكذا اختارت جيورجيا ميلوني أن تعرِّف نفسَها ذات يوم في عام 2019 أمام أنصارها. وهكذا تُعرَف اليومَ في كل إيطاليا، حيث حددت بذلك أبرزَ العناصر التي تلخّص قناعاتها، وكيف تريد أن تسير شؤون البلد.. وهي قناعات سائدة لدى اليمين المتشدد المرتبط أساساً بالانتماء القومي والديني، لاسيما وأنها ترفع شعار «الله، الوطن، العائلة».
وتَعتبر ميلوني نفسَها مِن ورثة «الحركة الاجتماعية الإيطالية»، التي تم تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية وتُصنَّف ضمن الأحزاب القومية المتشددة الجديدة. وإعجابها بهذا التوجه ليس جديداً ولم تكن تخفيه في أي وقت سابق، خاصةً في سنوات شبابها حيث اعتبرت عندما كانت في سن الـ19 أن موسوليني كان «سياسياً جيداً».. لكنها تُضيف اليومَ في كلامها عنه موضحةً أنه ربما ارتكب «أخطاء» منها القوانين المناهضة لليهود ودخول الحرب.. ثم تضيف أنه «لا مكان للأشخاص الذين يحنون إلى الفاشية والعنصرية ومعاداة السامية» في صفوف تنظيمها السياسي، لتدفع تُهم العنصرية والتشدد القومي عن حزبها.
وستقود ميلوني لا محالةَ ائتلافاً يمينياً من ثلاثة أحزاب: «رابطة الشمال» بقيادة ماتيو سالفيني، و«فورزا إيطاليا» بقيادة سيلفيو برلسكوني، إضافة إلى حزبها «إخوة إيطاليا». وهكذا ستتشكل حكومةٌ هي الأكثر يمينيةً في تاريخ إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية.
ولا جرم أن صعود اليمين المتشدد في إيطاليا يثير مخاوف داخلية (المهاجرون الأجانب) وأوروبية وإقليمية، خاصة في هذه الفترة التي تغرق فيها دول الاتحاد في أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا. زد على ذلك أن من بين أولوياتها -كما هو الشأن بالنسبة للأحزاب اليمينية المتشددة الأخرى في أوروبا- إغلاق الحدود الإيطالية لحماية البلاد من «خطر الأسلمة»، والتفاوض بشأن المعاهدات الأوروبية، ومكافحة «الخريف الديموغرافي» للبلاد.
ليس لحزب «فراتيلي ديتاليا» الذي تتزعمه ميلوني والفائز في الانتخابات، أية خبرة في الحكم، لكن فوزه يعبّر عن حالة الخوف والحذر والقلق التي تنتاب الشعب الإيطالي وبقية الشعوب الأوروبية، فهذه المجتمعات كلها تريد وجوهاً سياسية جديدة لم تصل بعد إلى الحكم، وتريد منها أن تقوض أسس الحياة السياسية السائدة، لعلَّ ذلك يفضي إلى تحسين مستويات معيشتها والنهوض بأوضاعها الاقتصادية.. لكن في الظروف الحالية الصعبة التي تمر بها إيطاليا (ثالث اقتصاد أوروبي)، وأوربا والعالم ككل، فإن ذلك الهدف يكاد يكون من باب المستحيل. 

*أكاديمي مغربي