اكتسبت منظمة شنغهاي للتعاون، والتي عقدت قمّتَها الأخيرةَ بمدينة سمرقند أهميةً متزايدةً، وبالأخص بعد أن أعلنت دولُ مجلس التعاون الخليجي عزمَها الانضمام للمنظمة وترحيب الأعضاء الثمانية الحاليين بدول المجلس، والتي مُنحت صفةَ «شريك في الحوار» إلى جانب مصر التي تشكل بدورها ثقلاً مهماً.
وقد تفاوتت التقديراتُ حول الدور المستقبلي للمنظمة، فالبعض اعتبرها نداً لـ«الناتو»، في حين اعتبرت آراءٌ أخرى أن هيكلها قريب من الاتحاد الأوروبي، لكنّ الحقيقةَ غير ذلك تماماً، فالمنظمة تضم في الوقت الحالي دولاً تتّسم علاقاتُها بالاضطراب والتنافر، كعلاقة الصين بالهند، وعلاقة قرغيزستان بطاجيكستان، وأذربيجان بإيران التي انضمت مؤخراً، وكذلك تركيا بأرمينيا، وقد أبدت كل منهما اهتماماً بالانضمام.. هذا عدا عن الخلافات بين الهند وباكستان.
وتركيبة بهذه اللوحة التي تشبه أحد أعمال الفنان السريالي الإسباني سلفادور دالي لا يمكن أن تتحول إلى تحالف عسكري وأمني مثل «الناتو»، أو تشكيل وحدة اقتصادية متجانسة على غرار الاتحاد الأوروبي.. مما يعني أن التعاون الاقتصادي سيشكل مرتكز العلاقات بين الدول الأعضاء في هذه المنظمة التي تأسست قبل عقدين من الزمن. لذا فأولويات التعاون هنا تكمن في السعي لإقامة منطقة للتجارة الحرة، مما سيمنح المنظمة ثقلا عالمياً مؤثراً، لاسيما أنها تضم 40% من سكان العالم و20% من الناتج المحلي العالمي. وسترتفع هذه النسبة الأخيرة مع انضمام دول ذات ثقل اقتصادي كبير، مثل السعودية والإمارات ومصر وتركيا، إذ ستشكل المنظمة في هذه الحالة أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم، مما سيمنح أعضاءها مكاسب مهمة، وسيؤدي ذلك عملياً إلى انتقال الثقل التجاري العالمي من الغرب إلى الشرق، وسيكون للمشروع الصيني «الحزام والطريق» دور رئيسي في عملية الانتقال هذه.
وهناك عوامل اقتصادية وتجارية وموارد طبيعية وتأثيرات جيوسياسية ستساهم في عملية الانتقال، ليصبح الشرق مركز الثقل الاقتصادي العالمي، وذلك ما يثير قلق الجانب الغربي لاعتبارات مفهومة؛ فالصين تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما أنها والهند تشكلان أكبر مستوردي النفط والغاز، في حين تعتبر السعودية وروسيا والإمارات والكويت أكبر منتجي النفط، أما قطر وروسيا وإيران فمن أكبر منتجي الغاز الطبيعي، مما يمنح المجموعةَ قدراتٍ هائلةً للتحكم في سوق الطاقة العالمية.
وبفضل الكثافة السكانية لدول المنظمة واتساع رقعتها الجغرافية، فإنها تعتبر أكبر سوق لتصريف المنتجات بكافة أنواعها، مما سيتيح للدول الأعضاء- في حالة وجود منطقة للتجارة الحرة بينها- أسواقاً كبيرة ستساهم في تنمية مختلف الصناعات في هذه الدول، وضمنها الصناعات ذات التقنيات المتقدمة، والتي تتوافر الكثير من خاماتها في دول المجموعة، بل إن بعض هذه الخامات تتركز أساساً في هذه الدول.
وفي حالة نجاح أعضاء منظمة شنغهاي في إقامة منطقة للتجارة الحرة، فإن ذلك سيساعد على تطوير أوجه التعاون الاقتصادي الأخرى، إلا أن ذلك لن يؤدي إلى خلق «ناتو» آسيوي بأي شكل من الأشكال، بدليل ما ورد في بيانات المنظمة، والتي جاء فيها أنها «تهدف إلى تقوية الثقة المشتركة وعلاقات حسن الجوار بين الأعضاء وتعزيز التعاون في مجالات التجارة والاقتصاد والتكنولوجيا، كما تقوم سياساتُها الخارجية على مبادئ عدم الانحياز وعدم استهداف أي أحد والانفتاح على العالم».
ورغم تلك الديباجة المحايدة، فستكون للمنظمة تأثيراتٌ في قلب موازين القوى الاقتصادية والتجارية، باتجاه إقامة مراكز قوى جديدة ستؤدي إلى تعدد قطبي اقتصادي لخلق اقتصاد عالمي أكثر توازناً في المجالات التجارية والمالية والنقدية، إذ تكمن هنا بالذات أهمية هذه المنظمة ذات الأبعاد المستقبلية.
وحسناً فعلت دول مجلس التعاون ومصر بسعيها للانضمام لهذه المنظمة التي ينضوي تحتها أكبر مستهلكيْن للنفط والغاز اللذَيْن يعدان أهم سلعتين في صادرات دول المجلس، كما أن ذلك سيفتح أبواباً واسعة للصادرات الخليجية والمصرية، إذ يتوقع أن تنضم المزيد من الدول العربية لمنظمة شنغهاي للاستفادة من الفرص التجارية والاقتصادية توفرها المنظمة، مع الحرص على تنمية علاقتها مع بقية الدول والاقتصادات الكبيرة، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان.
 
*خبير ومستشار اقتصادي