العدد الأخير(سبتمبر- أكتوبر، 2022) في مجلة «الشؤون الخارجية» الأميركية مخصص للعلاقات الدولية في زمن تسميه المجلة زمن اللايقين أو عدم التأكد(Age of Uncertainty).

وفي حين تعالج بعض المقالات مصطلح «العلاقات الدولية»، تشتغل مقالاتٌ أُخرى على متغيرات العلاقات الدولية بين الحرب الباردة والزمن الراهن. أما القسم الثالث فينصبُّ على السياسة الخارجية الأميركية وانشغالاتها في الأزمنة الماضية وهذا الزمان. في الحرب العالمية الثانية، قام المنتصرون بتقاسم العالم، فسيطرت الولايات المتحدة على أوروبا الغربية، والاتحاد السوفييتي على شرق أوروبا.

وظلَّ الشرق الأوسط مجال تصارع مع غلبة أميركية، وكذلك الأمر في قارتي آسيا وأفريقيا، أما أميركا اللاتينية فكانت فيها غلبة أميركية، لكنها ظلت شديدة الحراك. وبين العام 1953 والعام 1990 لم تكن هناك تغييرات كبيرة ضمن المعسكرين.

وبرزت في تلك العقود ظاهرتان: حروب التحرير ضد الاستعمار، وجبهة عدم الانحياز للخروج من صراع الجبارين. وفي حين كانت حروب التحرير في النهاية لصالح الاتحاد السوفييتي، لاضطرار الولايات المتحدة للوقوف إلى جانب حلفائها من القوى الاستعمارية القديمة، فإنّ جبهة عدم الانحياز تفككت بالتدريج لصالح الولايات المتحدة. إنما منذ ذلك الحين (أواخر الستينات) بدا أنّ كلاًّ من الصين والهند ما عاد يمكن التعامل معهما باعتبارهما تابعتين لأحد المعسكرين.

إنما من ناحيةٍ أُخرى ما استطاعت الأمتان إنتاج قوة عالمية ثالثة تؤدي بالفعل إلى تحييد المعسكرين أو التأثير في نظامٍ عالميٍ متعدد الأقطاب. وبسقوط الاتحاد السوفييتي عام 1990-1991 وتشرذمه إلى خمس عشرة دولة، وتشرذم يوغوسلافيا في البلقان، بدا أنّ العالم تغير بشدة. سُمّي زمان التفرد الأميركي (1990-2008) زمن الهيمنة. وخلاله تدخلت الولايات المتحدة في عشرات الدول، وأبقت على الناتو، وبدأ اهتمامها بالشراكة مع الصين وإلى التنافس معها. ثم طرأ تفكير بشأن الإنفاق على هذه الإمبراطورية.

المؤرخ بول كنيدي في كتابه: صعود الإمبراطوريات وسقوطها، حذّر أميركا من نفس مصير الإمبراطوريات المنقضية بسبب العجز عن الإنفاق على المستعمرات. ولذلك يكون العلاج بالانسحاب من القواعد ومن المسؤوليات، بيد أنّ كل انسحابٍ صار يُعتبر هزيمةً مدوّية. مثلما حصل في العراق وأفغانستان. والمشكلة أنّ الولايات المتحدة والأوروبيين نسوا الروس الذين تساقطت إمبراطوريتهم دولاً مستقلة سارعت للانضمام للاتحاد الأوروبي أو حتى لحلف الأطلسي!

الرئيس الروسي بوتين الذي أعاد التماسك إلى روسيا الاتحادية، راح يفكر بالمؤامرة الغربية لإسقاط روسيا نهائياً. وهكذا في ردٍ على المؤامرة تدخل عسكرياً في جورجيا عام 2008، وفي عام 2014 استولى على شبه جزيرة القرم، وصار يفكر بمنطقة دونباس ذات الشقين باعتبار وجود نسبة كبيرة من السكان الروس فيها. ومع أنّ الأميركان والأوروبيين كانوا حاسمين في رفض ضمِّ القرم ودونباس، فإنّ الرئيس بوتين قدَّر أنّ الأوروبيين لا يستطيعون الاستغناء عن روسيا مهما صار! أما المتغير الآخر فهو ضخامة حجم الصين الاقتصادي والعسكري.

وهو الأمر الذي أقلق واشنطن ودفعها للانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط بحجة ضبط السلوك الصيني في الشرق الأقصى. اتخذ عدد مجلة الشؤون الخارجية، الولايات المتحدة مركزاً للنظر إلى متغيرات العلاقات العالمية، وما هو حسن وما هو سيئ بالنسبة للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. هناك محاولة أميركية للعودة إلى مقولة التفوق الأخلاقي وعلل المشاركة في الحربين العالميتين الأولى والثانية من أجل حقوق الإنسان وحفظ السلام العالمي.

* أستاذ الدراسات الإسلامية- جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.